للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضلالًا وانسلاخًا من الدِّين بالكلية، كما صرَّح به - صلى الله عليه وسلم - ـ وقد رأى بيد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ورقةً من التوراة ـ فقال: «أَمُتَهَوِّكُونَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً. وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ» (١). فإذا كان اتِّباع موسى مع وجود محمد صلوات الله وسلامه عليه ضلالًا، فكيف باتِّباع أرسطو وابن سينا ورؤوس الجهمية والمعطلة؟! وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: «كَفَى بِقَوْمٍ ضَلَالَةً أَنْ يَتَّبِعُوا كِتَابًا غَيْرَ كِتَابِهِمْ أُنْزِلَ عَلَى غَيْرِ نَبِيِّهِمْ. فأنزل الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ} [العنكبوت: ٥١]» (٢).

فكيف بضلالة قومٍ اتبعوا كتابًا أوحاه الشيطان إلى رؤوس المشركين وأهل الضلال، لم ينزله الله على نبيٍّ من أنبيائه، فلا نزل به وحيٌ، ولا نطق به نبيٌّ، كما قال تعالى عن هؤلاء المعارضين للوحي: {وَإِنَّ اَلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢٢]. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ اَلْإِنسِ وَاَلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ اَلْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا


(١) أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (١٥٣٨٨) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٢٦٩٤٩) والدارمي في «السنن» (٤٣٥) وابن أبي عاصم في «السنة» (٥٠) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، وقال الهيثمي في «المجمع» (١/ ١٧٤): «رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه مجالد بن سعيد، ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما». وقد تقدم (ص ٤٩٨) بنحوه مرسلًا، وللحديث شواهد حسَّنه بها الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (١٥٨٩).
(٢) أخرجه أبو داود في «المراسيل» (٤٥٤) والدارمي في «السنن» (٤٩٥) عن يحيى بن جعدة مرسلًا.