للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واجب التقديم؛ إذ مضمون ذلك أن يُقال: لا تعتقد ثبوت ما علمت أنه أخبر به؛ لأن هذا الاعتقاد ينافي ما علمت به أن المخبر صادقٌ، وحقيقة ذلك لا تصدقه في هذا الخبر؛ لأن تصديقه يستلزم عدم تصديقه. فيقول: وعدم تصديقي له فيه هو عين اللازم المحذور. فإذا قيل لي: لا تصدقه لئلا يلزم عدم تصديقه، كان كما لو قيل: كذِّبْه لئلا يلزم تكذيبه. فهكذا حال من أمر النَّاس ألَّا يُصدِّقوا الرَّسول فيما علموا أنه أخبر به بعد علمهم أنه رسول؛ لئلا يُفضي تصديقهم إلى عدم تصديقه. يوضحه:

الوجه السَّادس: وهو أن المنهي عنه من قبول هذا الخبر وتصديقه فيه هو عين المحذور، فيكون واقعًا في المنهي عنه، سواء أطاع أو عصى، ويكون تاركًا للمأمور به، سواء أطاع أو عصى، ويكون وقوعه في المخوف المحذور على تقدير الطَّاعة أعجل وأسبق منه على تقدير المعصية. والمنهي عنه على (١) هذا التقدير هو التصديق، والمأمور به هو التكذيب، وحينئذٍ فلا يجوز النهي عنه، سواء كان محذورًا أو لم يكن، فإنه إن لم يكن محذورًا لم يَجُز أن ينهى عنه، وإن كان محذورًا فلا بد منه على التقديرين، فلا فائدة في النهي عنه.

الوجه السَّابع: أنه إذا قيل له: لا تصدقه في هذا، كان أمرًا له بما يناقض ما علم به صدقه، وكان أمرًا له بما يُوجب ألا يثق بشيءٍ من خبره؛ فإنه متى جوَّز كذبه أو غلطه في خبرٍ جوَّز ذلك في غيره، ولهذا آل الأمر بمن سلك هذه الطريق إلى أنهم لا يستفيدون من جهة الرَّسول شيئًا من الأمور الخبرية المتعلقة بصفات الله سبحانه وأفعاله، بل وباليوم الآخر عند بعضهم؛


(١) «ح»: «أنه». والمثبت من «م».