للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورأوه عائدًا على ما قصدته الأنبياءُ بالإبطال. والطائفتان متفقتان على انتفاء حقائقها المفهومة منها في نفس الأمر.

والصنف الثالث: أصحاب التجهيل، الذين قالوا: نصوص الصِّفات ألفاظٌ لا يُعقَل معانيها، ولا يُدرى ما أراد اللهُ ورسوله منها، ولكن نقرؤُها (١) ألفاظًا لا معانِيَ لها، ونعلم أن لها تأويلًا لا يعلمه إلَّا الله، وهي عندنا بمنزلة: {كهيعص} [مريم: ١] و {حم عسق} [الشورى: ١] و {المص} [الأعراف: ١]. فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيه تمثيلًا ولا تشبيهًا، ولم نعرف معناه، ونُنكِر على مَن تأوَّله، ونَكِل علمه إلى الله.

وظن هؤلاء أن هذه طريقةُ السلف، وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات، ولا يفهمون معنى قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٤] وقوله: {وَاَلْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ} [الزمر: ٦٤]، وقوله: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤]، وأمثال ذلك من نصوص الصفات. وبنَوْا هذا المذهب على أصلين:

أحدهما: أن هذه النصوص من المتشابِه.

والثاني: أن للمتشابه تأويلًا لا يعلمه إلَّا الله.

فنتج مِن هذين الأصلين استجهالُ السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأنهم كانوا يقرؤون: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] و {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٦]،


(١) «ح»: «يقروها».