للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن إسماعيل. وما ذنب البخاري وقد بلَّغ ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وقال آخر من هؤلاء: «لقد شان البخاري صحيحه بهذا الذي أتى به في آخره».

ومعلومٌ أن هذه مضادةٌ صريحةٌ لِمَا يحبه الله ورسوله من التبليغ عنه، حيث يقول: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ» (١). وقال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» (٢). وقال: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» (٣).

وقد ذمَّ الله في كتابه الذين يكتمون ما أنزله من البينات والهدى، وهؤلاء يختارون كتمان ما أنزله الله؛ لأنه يُخالف ما يقولونه، ويُعارض ما حكمت به عقولهم وآراؤهم. وهؤلاء الذين قال فيهم عمر: «إنهم أعداء السُّنن» (٤). يوضحه:

الوجه الحادي والثمانون: أن كل من أبغض شيئًا من نصوص الوحي


(١) أخرجه البخاري (٦٧) ومسلم (١٦٧٩) عن أبي بكرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٦١) عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.
(٣) أخرجه الإمام أحمد (٢١٩٩١) وأبو داود (٣٦٦٠) والترمذي (٢٦٥٦) وابن ماجه (٢٣٠) وابن حبان (٦٨٠) عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -. وقال الترمذي: «حديث حسن». وقال ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (١/ ٣٦٣): «وهو حديث مشهور خُرِّج في السنن أو بعضها من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم، وصححه ابن حبان والحاكم، وذكر أبو القاسم بن منده في «تذكرته»: رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة وعشرون صحابيًّا. ثم سرد أسماءهم، وقد تتبعت طرقه فوقع لي أكثرها وزيادة ستة».
(٤) أخرجه ابن شبَّة في «تاريخ المدينة» (٣/ ٨٠١) والدارقطني في «السنن» (٥/ ٢٥٦) واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (٢٠١).