للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا بطلت شهادته بطل قبول قوله. فتقديم العقل على الوحي يتضمن القدح فيه وفي الشرع، وهذا ظاهر لا خفاء به. يوضحه:

الوجه الثَّالث عشر: وهو أن الشرع مأخوذٌ عن الله بواسطة الرسولين المَلَكي والبشري بينه وبين عباده، مؤيَّدًا بشهادة الآيات وظهور البراهين على ما يوجبه العقل ويقتضيه تارةً، ويستحسنه تارةً، ويجوِّزه تارةً، ويَكِعُّ (١) عن دَرَكه تارةً؛ ولا سبيل له إلى الإحاطة به، ولا بد له من التسليم والانقياد لحكمه والإذعان والقبول. وهناك يسقط «لِمَ»، ويبطل «كيف»، ويزول «هلَّا»، ويذهب «لو» و «ليت» في الريح؛ لأن هذه المواد عن الوحي محبوسة (٢)، واعتراض المعترض عليه مردودٌ، واقتراح المقترح ما يظن أنه أولى منه سَفَهٌ.

وجملة الشريعة مشتملة على أعلى أنواع الحكمة علمًا وعملًا، التي لو جُمعت حِكَم جميع الأُمم ونُسبت إليها لم يكن لها إليها نسبة، وهي متضمنة لأعلى المطالب بأقرب الطرق وأتمِّ البيان، فهي متكفلةٌ بتعريف الخليقة ربَّها وفاطرها المحسن إليها بأنواع الإحسان بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتعريف الطريق الموصِّل إلى رضاه وكرامته، والدَّاعي لديه، وتعريف حال السَّالكين بعد الوصول إليه. ويقابل هذه الثلاثة تعريفهم حال الدَّاعي إلى الباطل


(١) كعَّ عن الشيء يَكِعُّ كعًّا: إذا جبن عنه وأحجم. «النهاية في غريب الحديث» (٤/ ١٨٠).
(٢) «ح»: «محسوسة». ولعل المثبت هو الصواب.