للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«فصوصه» (١) وغيرهما.

وهذه الشُّبَه كلها من وادٍ واحدٍ، ومشكاةٍ واحدةٍ، وخزانةٍ واحدةٍ، وهي مشكاة الوساوس، وخزانة الخيال، فلو لم [ق ٧٦ ب] نجزم بما علمناه إلَّا بعد التعرض لتلك الشُّبَه على التفصيل وحلِّها والجواب عنها لم يثبت لنا علمٌ بشيءٍ أبدًا. فالعاقل إذا علم أن هذا الخبر صادقٌ علم أن كل ما عارضه فهو كذبٌ، ولم يَحتَجْ أن يعرف أعيان الأخبار المعارضة له ولا وجوهها، وبالله المستعان.

الوجه التسعون: أن هؤلاء المعارضين لنصوص الوحي بعقولهم ليس عندهم علمٌ ولا هدًى ولا كتابٌ مبينٌ، فمعارضتهم باطلةٌ، وهم فيها أتباع كل {شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ اِلسَّعِيرِ} [الحج: ٣ - ٤] فهذه حال كل من عارض آيات الله بمعقوله، ليس عنده إلَّا الجهل والضلال، ورتَّب سبحانه هذه الأمور الثلاثة أحسن ترتيب، فبدأ بالأعم وهو العلم، وأخبر أنه لا علم عند المعارض لآياته بعقله (٢)، ثم انتقل منه إلى ما هو أخص، وهو الهدى، ثم انتقل إلى ما هو أخص، وهو الكتاب المبين؛ فإن العلم أعم ممَّا يُدرك بالعقل والسمع والفطرة، وأخص منه الهدى


(١) قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (١٧/ ٢٥٣): «الكتاب المسمى بـ «فصوص الحكم» فيه أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح». ولشيخ الإسلام ابن تيمية «الرد الأقوم على ما في «فصوص الحكم» مطبوع ضمن «مجموع الفتاوى» (٢/ ٣٦٢ - ٤٥١).
(٢) «ح»: «بفعله».