للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطريق الثاني (١): أن يُقال: علوه سبحانه [ق ١٠١ أ] على العالم، وأنه فوق السماوات كلها، وأنه فوق عرشه = أمرٌ مستقرٌّ في فِطَر العباد، معلومٌ لهم بالضرورة؛ كما اتفق عليه جميع الأمم إقرارًا بذلك وتصديقًا من غير تواطؤٍ منهم على ذلك ولا تشاعر، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون ذلك بالضرورة، وجميع الطوائف تنكر قول المعطلة إلَّا من تلقَّاه منهم.

وأمَّا العامة من جميع الأُمم ففِطَرهم جميعهم مُقرةٌ بأن الله فوق العالم، وإذا قيل لهم: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث، ولا يصعد إليه شيءٌ، ولا ينزل منه شيءٌ، ولا يقرب إليه شيءٌ، ولا يقرب هو من شيءٍ، ولا يحجب العباد عنه حجابٌ منفصلٌ، ولا تُرفع إليه الأيدي، ولا تتوجه إليه القلوب نحو العلو = أنكرت فِطَرهم ذلك غاية الإنكار، ودفعته غاية الدفع.

قال أبو الحسن الأشعري في كتبه: «ورأينا المسلمين جميعًا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله عز وجل مستوٍ على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو السماء، كما لا يحطونها إذا دعوا نحو الأرض».

هذا لفظه في أجلِّ كتبه وأكبرها، وهو «الموجز»، وفي أشهرها، وهو «الإبانة» (٢) التي اعتمد عليها أنصر (٣) الناس له وأعظمهم ذبًّا عنه من أهل


(١) هذا هو الوجه التاسع والأربعون بعد المائة.
(٢) «الإبانة عن أصول الديانة» (ص ١٠٧).
(٣) «ح»: «أبصر» بالباء الموحدة، ولعل المثبت هو الصواب، وهو الأنسب مع قوله عقبه: «وأعظمهم ذبًّا عنه». أو تكون العبارة: «أبصر الناس به». أي أعلمهم به.