الرَّسول جاء بها، وعُلم بالاضطرار صحة نبوته ورسالته؛ وما عُلم بالاضطرار امتنع أن يقوم على بطلانه دليلٌ، وامتنع أن يكون له معارضٌ صحيحٌ؛ إذ لو جاز أن يكون له معارضٌ صحيحٌ لم يبق لنا وثوقٌ بمعلومٍ أصلًا، لا حسيٍّ ولا عقليٍّ، وهذا يبطل حقيقة الإنسانية، بل حقيقة الحيوانية المشتركة بين الحيوانات، فإن لها تمييزًا وإدراكًا للحقائق بحسَبها.
وهذا الوجه في غاية الظهور، غني بنفسه عن التأمُّل. وهو مبنيٌّ على مقدمتين قطعيتين:
إحداهما: أن الرَّسول أخبر عن الله بذلك.
والثَّانية: أنه صادقٌ.
ففي أي المقدمتين يقدح المعارض بين العقل والنقل؟!
الوجه الثَّاني والخمسون: أن دليل العقل هو إخباره عن الذي خلقه وفَطَره أنه وضع فيه ذلك وعلمه إيَّاه وأرشده إليه، ودليل السمع هو الخبر عن الله أنه قال ذلك وتكلَّم به وأوحاه، وعرَّف به الرَّسول (١)، وأمره أن يُعرِّف [ق ٥٥ أ] الأُمة ويخبرهم به، ولا يكون أحدهما صحيحًا حتى يكون الآخر مطابقًا لمخبره، وأن الأمر كما أخبر به.
وحينئذٍ فقد شهد العقل لخبر الرَّسول بأنه صدقٌ وحقٌّ، فعَلِمْنا مطابقته لمخبره بمجموع الأمرين: بخبر الرَّسول به، وشهادة العقل الصريح بأنه لا يكذب في خبره.