أن ما في النصوص من الخبر فهو صدقٌ، علينا أن نُصدِّق به، لا نُعرض عنه ولا نُعارضه، ومن دفعه أو عارضه بعقله لم يُصدِّق به، ولو صدَّقه تصديقًا مجملًا ولم يصدقه تصديقًا مفصَّلًا في أعيان ما أخبر به لم يكن مؤمنًا، ولو أقرَّ بلفظه مع جَحْد معناه أو صَرْفه إلى معانٍ أُخَر غير ما أُريد به لم يكن مُصدِّقًا؛ بل هو إلى التكذيب أقرب.
الوجه الثَّالث والثمانون: أنه سبحانه أخبر أن كل حُكمٍ خالف حُكمه الذي أنزله على رسوله فهو من أحكام الهوى، لا من أحكام العقل، وهو من أحكام الجاهلية، لا من حكم العلم والهدى، فقال تعالى: {وَأَنِ اِحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اَللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاَحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اَللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاَعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اُللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ اَلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٥١) أَفَحُكْمَ اَلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اَللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥١ - ٥٢] فأخبر سبحانه وتعالى أنه ليس وراء ما أنزله إلَّا اتباع الهوى الذي يُضل عن سبيله، وليس وراء حكمه إلَّا حكم الجاهلية.
وكل هذه الآراء والمعقولات المخالفة لما جاء به الرَّسول هي من قضايا الهوى وأحكام الجاهلية، وإن سمَّاها أربابها بالقواطع العقلية والبراهين اليقينية، كتسمية المشركين أوثانهم وأصنامهم آلهةً، وتسمية المنافقين السعي في الأرض بالفساد وصدَّ القلوب عن الإيمان إصلاحًا وإحسانًا وتوفيقًا.