للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا سيما في باب التوحيد والأسماء والصفات، فإن التوراة مطابقةٌ للقرآن في ذلك موافقةٌ له، وهذا يدل على أن ما في التوراة من ذلك ليس هو من المُبَدَّل المُحَرَّف الذي أنكره الله عليهم، بل هو من الحق الذي شهد له القرآن (١) وصدَّقه.

ولهذا لم يُنكر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم ما في التوراة من الصِّفات، ولا عابهم به، ولا جعله تشبيهًا وتجسيمًا وتمثيلًا، كما فعل كثيرٌ من النُّفاة، وقالوا: اليهود أُمة التشبيه والتجسيم. ولا ذنب لهم في ذلك، فإنهم قرؤوا (٢) ما في التوراة، فالذي عابهم الله به من تأويل التحريف والتبديل لم يَعِبْهم به المعطلة النُّفاة؛ بل شاركوهم فيه، والذي استشهد الله سبحانه على نبوة رسوله به من موافقة ما عندهم من التوحيد والصفات، عابوهم به ونسبوهم فيه إلى التجسيم والتشبيه. وهذا ضدُّ ما كان عليه الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإنهم كانوا إذا ذكروا له شيئًا من هذا ـ الذي تُسميه المعطلة تجسيمًا وتشبيهًا ـ صدَّقهم عليه وأقرَّهم ولم يُنكره، كما صدَّقهم في خبر الحبر المتفَق على صحته من حديث عبد الله بن مسعودٍ، وضحك [ق ٧١ ب] تعجبًا وتصديقًا له (٣)، وفي غير ذلك.

ثم قال: {وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: ١١٦] فقرَّر (٤) أن ما أخبر به فهو صدقٌ، وما أمر به فهو عدلٌ. وهذا يُبيِّن (٥)


(١) في «ح»: «شهد للقرآن». والمثبت من «م».
(٢) كذا في «ح»، «م». ولعل الصواب: «قرروا».
(٣) أخرجه البخاري (٤٨١١) ومسلم (٢٧٨٦).
(٤) «ح»: «فقدر». والمثبت من «م».
(٥) «ح»: «يميز». والمثبت من «م».