الوجه الثَّاني والستون: أن هؤلاء المعارضين للوحي بعقولهم ارتكبوا أربع عظائم:
إحداها: ردهم لنصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
الثَّانية: إساءة الظنِّ [بالوحي](١) وجعله منافيًا للعقل مناقضًا له.
الثَّالثة: جنايتهم على العقل بردِّهم ما يوافق النصوص من المعقول؛ فإن موافقة العقل للنصوص التي زعموا أن العقل يردها أظهر للعقل من معارضته لها.
الرَّابعة: تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم لمن خالفهم في أصولهم التي اخترعوها وأقوالهم التي ابتدعوها، مع أنها مخالفةٌ للعقل والنقل، فصوَّبوا رأي مَن تمسك بالقول المخالف للعقل والنقل، وخطَّؤوا مَن تمسك بما يوافقهما، وراج ذلك على من لم يجعل الله له نورًا ولم يشرق على قلبه نور النُّبوة.
الوجه الثَّالث والستون: أن من عارض بين الوحي والعقل فقد قال بتكافؤ الأدلة؛ لأن العقل الصحيح لا يكذب، والوحي أصدق منه، وهما دليلان صادقان، فإذا تعارضا تكافآ، فإن لم يُقدِّم أحدهما بقي في الحيرة والشك، وإن قدَّم أحدهما على الآخر أبطل موجب الدليل الصحيح وأخرجه عن كونه دليلًا، فيبقى حائرًا بين أمرين لا بد له من أحدهما: إمَّا أن يُسيء الظنَّ بالوحي أو بالعقل، والعقل عنده أصل الوحي فلا يمكنه أن يُسيء الظنَّ به، فيسطو على الوحي تارةً بالتحريف والتأويل، وتارةً بالتخييل،