للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمكلف يقول: لا أنظر حتى يجب عليَّ، ولا يجب عليَّ حتى أنظر. فسددتم على أنفسكم طريقَ إثبات النبوة.

فانظر كيف آلَ أمرُ الفريقين إلى الاعتراف بأن العلم بإثبات النبوة طريقه مسدودة عليهم، وماذا يفيدكم مشاركة خصومكم لكم في هذا الضلال المبين والكفر المستبين؟! فأبعد الله أصولًا وقواعدَ هذا حاصلُها ورأسُ مال أصحابها! أفلا يستحي مَن هذا حاصلُ معقوله وعِلمه ومنتهى معرفته أن يذكر أنصارَ الله ورسوله وحزبه بما لا يليق، أو ينسبهم إلى ما هو أولى به منهم من الجهل ومخالفة المعقول والمنقول؟! وهذا موضع المثل السائر: «[رمتني بدَائها] (١) وانسلَّتْ»! وقد تقدَّم ما ذَكره إمام أهل السُّنَّة محمد بن إسماعيل البخاري (٢) عن بعض أهل العلم: «إن الجهمية هم المشبهة؛ لأنهم شبَّهوا الله سبحانه بالأصنام والمَوَات». وممَّا يوضح الأمر:

الوجه الموفي [مائتي وجه] (٣): وهو أن هؤلاء كما وضعوا قانونًا أصَّلوه لنفي كلامه وسمعه وبصره، ومباينته لخلقه واستوائه على عرشه ومجيئه لفصل القضاء بين عباده ورؤية أنبيائه وأوليائه له في دار الكرامة؛ بأن ذلك يستلزم التجسيم والتشبيه والتمثيل والتركيب وحلول الحوادث = وضعوا قانونًا آخر يتضمن نفي ما وصف به نفسه من الرأفة والرحمة والمحبة والمودة والحنان والغضب والرضى والفرح والضحك والتعجب. قالوا: لأن هذه الأمور متضمِّنةٌ للألم واللذة، والله سبحانه منزَّهٌ عن ذلك. قالوا:


(١) «ح»: «ومنتهى بدايتها». وقد سبق المثل (ص ٣٧٢) على الصواب.
(٢) تقدم (ص ٩٩٦).
(٣) «ح»: «مائتين وجهًا».