للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل حال الفاعل قبله ومعه وبعده واحدة.

ومثل حُكمِهم بأن كلامه معنًى واحدٌ، لا ينقسم ولا يتجزَّأ، ولا له بعض ولا كلٌّ، وأن الأمر هو عين النَّهي، وهما عين الخبر والاستخبار، فالكل حقيقةٌ واحدةٌ.

وأن الحواسَّ والإدراكات يصحُّ تعلُّقها بكل موجودٍ، فتُؤكل الأصوات وتُشمُّ وتُذاقُ، وتُسمَع الرَّوائح والطُّعوم.

إلى أضعاف أضعاف ذلك من خواصِّ علومهم التي جعلوها قواطعَ عقلية تُفيد اليقين، وكلام الله ورسوله أدلة لفظية لا تُفيد اليقين. فقد تبيَّن أنَّ ما نفى عنه هؤلاء اليقين من أعظم ما يُفيد اليقين، وما أثبتوا له اليقين أبعدُ شيءٍ عن اليقين.

الوجه السَّابع عشر: أن هذا من أنواع السَّفسطة، بل هو شر أنواعها، فإن أنواعها ثلاثة:

أحدها: التجاهل، وهو لا أدري، وأصحابه يُسمَّوْن اللاأدرية.

الثَّاني: النَّفي والجحود.

الثَّالث: قلب الحقائق، وهو جعل الموجود معدومًا، والمعدوم موجودًا؛ إمَّا في نفس الأمر، وإمَّا بحسب الاعتقاد.

والذي يدَّعي قلب الحقائق في نفس الأمر أشد سفسطةً ممَّن يدَّعي أنها تَبَعٌ لاعتقاد الإنسان فيها، فإذا جُعلت الأدلة العقلية ـ التي هي من جنس ما تقدَّمَ وغيره ـ تُفيد اليقين بمدلولاتها الخارجية، والأدلة اللفظية التي أعلاها كلام الله ورسوله لا تُفيد اليقين، كان ذلك من أعظم أنواع السفسطة، وأكثر