للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تخصه، فإنه لو كان له ماهية يختص بها لكان تعينه لماهيته وذاته المخصوصة. وأنتم إنما جعلتم تعينه بأمرٍ عدميٍّ محضٍ ونفيٍ صرفٍ، وهو كونه لا داخل العالم ولا خارجًا عنه. وهذا التعيُّن لا يقتضي وجوده، فإنه يصح على العدم المحض، وأيضًا فالعدم المحض لا يُعيِّن المتعين؛ فإنه لا شيء، وإنمَّا يُعيِّنه (١) ذاته المخصوصة وصفاته، فلزم قطعًا من إثبات ذاته تعيُّنُ تلك الذات بعينها، ومن تعيُّنِها مباينتُها للمخلوقات، ومن المباينة العلوُّ عليها، لما تقدم تقريره. وصحَّ مقتضى العقل والنقل والفطرة، ولزم من صحة هذه الدعوى صحة الدعوى الثانية، وهي أن من أنكر (٢) مباينته للعالم وعلوه عليه لزمه إنكار ربوبيته وكونه إلهًا للعالم.

فصل

الطريق الرابع والعشرون (٣): أنه قد دلَّ البرهان الضروري والعقل الصريح على استغنائه سبحانه بنفسه، وأنه الغني بذاته عن كل ما سواه. فغناه من لوازم ذاته، ولا يكون غنيًّا على الإطلاق إلَّا إذا كان قائمًا بنفسه؛ إذ القيام بالغير يستلزم فقر القائم إلى ما قام به، وعدم القيام بالنفس وبالغير يستلزم العدم، فصحَّ ضرورةً وجوب قيامه بنفسه، وهذا حقيقة المباينة. ونفي المباينة والمداخلة كنفي القيام بالنفس وبالغير، ولا تتصور العقول قط قائمًا بنفسه مع قائم بنفسه إلَّا إذا كان مباينًا له أو محايثًا. والفرق بين هذا الوجه وبين الاستدلال بقيامه بنفسه أن ذاك استدلال بالقيام بالنفس، وهذا استدلال


(١) «ح»: «وأما تعيينه». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «افتكر». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «الخامس والعشرون». وهذا هو الوجه الحادي والسبعون بعد المائة.