للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا سبيل لنا إلى اقتباس العلم واليقين منه.

الوجه الرَّابع والعشرون: أن قول القائل: «الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلَّا عند [تيقُّن] (١) أمورٍ عشرة» نفيٌ عامٌّ، وقضيةٌ سالبةٌ كليةٌ، فإنْ أراد قائلها أن أحدًا من النَّاس لا يعلم مراد متكلِّمٍ ما يقينًا إلَّا عند هذه الأمور العشرة؛ فكَذِبٌ ظاهرٌ. وإن أراد به أنه لا يعلم أحدٌ المراد بألفاظ القرآن والسُّنَّة إلَّا عند هذه الأمور ففِرْيةٌ ظاهرةٌ أيضًا؛ فإن الصَّحابة كلهم من أوَّلهم إلى آخرهم، والتَّابعون (٢) كلهم، وأئمة الفقه كلهم، وأئمة التَّفسير كلهم، لم يتوقَّفْ عِلمُهم بمراد الرَّسول على هذه الأمور؛ بل لم تخطر ببالهم، ولم يذكرها أحدٌ منهم في كلامه.

وإن أراد أن مَن بعد الصَّحابة لا يَعرِف مراد الرَّسول إلَّا بهذه الأمور العشرة فكَذِبٌ أيضًا، فإن التَّابعين ومَن بعدهم جازمون متيقِّنون لمراده أعظم يقينٍ، بل نحن ـ ونسبتنا إليهم أقلُّ نسبةٍ ـ متيقِّنون لمراد الله ورسوله (٣) من كلامه يقينًا لا ريبَ فيه، وجازمون به جزمًا لا شكَّ فيه، ومَن قبلَنا كان أعلمَ منَّا وأعظمَ جزمًا، ومَن قبلَهم كان كذلك، فكيف يستحلُّ الرَّجُل أن يحكم حُكمًا عامًّا كليًّا أن أحدًا لم يحصل له اليقين من كلام الله ورسوله؟!

وإن أراد به أنها لا تُفيد اليقين في شيءٍ وتفيده في شيءٍ آخر؛ قيل له: هذا لا يُفيدك شيئًا حتى تُبيِّن أن محلَّ النِّزاع بينك وبين أهل السُّنَّة وأنصار الله ورسوله من النَّوع الذي لا يُفيد اليقين، فهم يزعمون أن استفادتهم اليقينَ منه


(١) ليس في «ب». ومثبت من «المحصل» للرازي (ص ٥١).
(٢) كذا، والجادة «التابعين» معطوفة على منصوب.
(٣) بعده في «ب»: «أكثر». وأراها زائدة.