للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحق بشبه صار كأنه منفصلٌ عنه، وإفكُه صادر عنه.

ثم قال تعالى: {قُتِلَ اَلْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: ١٠]. وأصل الخرص القول بلا علمٍ، بل بالظنِّ والتخمين والقذف بالكلام من غير برهانٍ على صحته، ومنه سُمِّي الكاذِبُ خارصًا، والحازرُ خارصًا، وصاحب الظنِّ والتخمين خارصًا. وهذا الوصف منطبقٌ على هؤلاء أتمَّ انطباق، فليس معهم إلَّا الخرص واتباع الظنِّ، كما قال تعالى في وصف سَلَفهم المعارضين لشرعه بالقدَر: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١١٧]. وهذا بخلاف متَّبِع الوحي، فإنه يتبع قولًا يصدق بعضُه بعضًا ويشهد بعضُه لبعض، لا اختلاف فيه ولا اضطراب، متصلًا برب العالمين قوله ووحيه الذي نزله على رسوله، فمصدره منه سبحانه، ومظهره على لسان رسوله، فعليه سبحانه البيان وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم، وقد فعل سبحانه ما عليه، وفَعل رسوله ما عليه، فماذا يشنا (١) بعد ذلك إلَّا أن نأتي بما علينا، وبالله التوفيق.

الوجه الثامن والتسعون بعد المائة: أن هؤلاء النُّفاة المعطِّلة لا بد لهم من أصلٍ يقرِّرون به قولَهم الذي ابتدعوه، وأصلٍ ينفون به ما أخبرت به الرُّسل. وهذا حال كل مَن وضع رأيًا أو نصب مذهبًا لا بد له من أصلٍ يُقرِّر به رأيه، وأصلٍ يُبطل به قول مخالفه.

وعلى هذين الأصلين بنوا مذاهبهم الفاسدة، فكلامهم كله يدور على هاتين القاعدتين. فإذا تكلموا في توحيدهم الذي هو غاية الإلحاد والتعطيل، والتشبيه بالأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تتكلم، كما قال حافظ الإسلام محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب «خلق الأفعال» ـ وهو من


(١) كذا في «ح».