للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمَّا الكلي فنقطع بأن كل دليلٍ عقليٍّ خالف السمعي الصريح الصحيح فهو باطلٌ في نفسه، مخالفٌ للعقل قبل أن ينظر في مقدماته.

وأمَّا الجزئي فإنك إذا تأمَّلت جميع ما يدعوك به معارض السمع وجدته ينتهي إلى مقدماتٍ باطلةٍ بصريح العقل، لكن تَلَقَّاها مُعْوِرٌ عن مُعْوِرٍ (١)، فظنوها عقليات، وهي في التحقيق جهلٌ مركبٌ. وحينئذٍ فالواجب تقديم الدليل السمعي للعلم بصحته، وما عارضه فإمَّا معلوم البطلان، وإمَّا غير معلوم الصحة، وذلك أحسن أحواله.

الوجه الثَّامن: أنه إذا اعتُقد في الدليل السمعي أنه ليس بدليلٍ في نفس الأمر بل اعتقاد دلالته على مخالف ما زعمتوه من العقل جهلٌ؛ أمكن أتباع الرسل المصدِّقين بما جاؤوا (٢) به أن يعتقدوا في أدلتكم العقلية أنها ليست بأدلةٍ في نفس الأمر، وأن اعتقاد دلالتها جهلٌ، ويرمون أدلتكم بما رميتم به الأدلة السمعية، ثم الترجيح من جانبهم من وجوهٍ متعددةٍ. وكانوا في هذا الرمي أحسن حالًا منكم وأعذر، فإن معهم من البراهين الدَّالة على صحة ما


(١) «ح»: «معود عن معود». والتعبير مقتبس من قول الشاعر:
ذهبَ الرِّجالُ المقتدى بفِعَالهم ... والمنكِرون لكل أمرٍ منكرِ
وبقيتُ في خَلْفٍ يُزيِّن بعضُهم ... بعضاً ليدفع مُعْوِرٌ عن مُعْوِر

يُنسب إلى بشر الحافي وإلى أبي الأسود الدؤلي وإلى غيرهما، ينظر «عيون الأخبار» (٢/ ١٢٣) و «الحماسة البصرية» (٣/ ١٤٢٤) و «معجم الأدباء» (٤/ ١٤٢٣). والمعور: الرديء السريرة قبيحها، من العَوَر، وهو الشَّين والقُبح. «تاج العروس» (١٣/ ١٦٦).
(٢) «ح»: «جاء». والمثبت هو الصواب.