للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسلامه حين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَدِيُّ مَا يُفِرُّكَ (١)؟ أَيُفِرُّكَ أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى (٢) اللهِ؟» ثم قال: «يَا عَدِيُّ مَا يُفِرُّكَ؟ أَيُفِرُّكَ أَنْ يُقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنَ اللهِ؟». فالله سبحانه أكبرُ من كل شيءٍ ذاتًا وقدرًا ومعنى وعزةً وجلالةً، فهو أكبر من كل شيءٍ في ذاته وصفاته وأفعاله، كما هو فوق كل شيءٍ، وعالٍ على كل شيءٍ، وأعظم من كل شيءٍ، وأجلُّ من كل شيءٍ في ذاته وصفاته وأفعاله. يوضحه:

الوجه التسعون بعد المائة: أن تعطيل ذاته المقدسة عن وصفها بذلك وجعل ذلك مجردَ أمرٍ (٣) معنويٍّ يقتضي سلبَ ذلك عنه بالكلية، ولا سيما عند الجهمية النُّفاة لصفاته وأفعاله، فإنه عندهم لا تقوم به صفةٌ ثبوتيةٌ يستحق بها أن يكون أعظمَ من غيره وأكبرَ منه وفوقه وأعلى منه؛ فإنهم لا يجعلون ذلك عائدًا إلى ذاته، لأنه يلزم منه عندهم التجسيم.

فليست ذاته عندهم موصوفةً بكبرٍ ولا عظمةٍ ولا علوٍّ ولا فوقية، وليس له عندهم صفةٌ ثبوتيةٌ تكون عظمته وفوقيته وعلوه لأجلها، فإن إثبات الصِّفات عندهم يستلزم التركيب. ولا له فعل يقوم به يكون به أعظم وأكبر من غيره، فإن ذلك يستلزم عندهم حلول الحوادث وقيامها به. فلا حقيقة عندهم لكونه أكبر وأعظم وأجل من غيره إلَّا ما يرجع إلى مجرد السلب والنفي والعدم، مثل كونه لا داخلَ العالم، ولا خارجَه، ولا تَحُلُّه


(١) «ح»: «يضرك». في المواضع الأربعة.
(٢) «ح»: «سواي».
(٣) «ح»: «مجردا من».