للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

الطريق الثالث عشر: أن يقال: أخبرُ الناس بمقالات الفلاسفة (١) قد حكى اتفاق الحكماء على أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت على ذلك الشرائع، وقرَّر (٢) ذلك بطريقٍ عقليٍّ من جنس تقرير ابن كُلَّاب والحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي الحسن بن الزاغوني وغيرهم ممَّن يقول: إن الله فوق العرش وليس بجسمٍ. قال هؤلاء: وإثبات صفة العلو والفوقية له سبحانه لا يوجب الجسمية، بل ولا إثبات المكان.

وبنى الفلاسفة ذلك على ما ذكره ابن رشد: أن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المَحْوي. فمكان (٣) الإنسان عندهم هو باطن الهواء المحيط به، وكل سطحٍ باطنٍ فهو مكان للسطح الظاهر فيما يلاقيه، ومعلوم أنه ليس وراء الأجسام سطح جسمٍ باطنٍ يحوي شيئًا، فلا مكان هناك؛ إذ لو كان هناك مكانٌ حاوٍ لسطح الجسم لكان الحاوي جسمًا. ولهذا قال: فإذا قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة فواجب أن يكون غير جسم، فالذي يمتنع وجوده هناك هو وجود جسمٍ، لا وجود [ق ١٠٥ أ] ما ليس بجسمٍ. وقرَّر إمكان ذلك كما قرر إثباته بما ذكر من أنه لا بد من نسبة بينه وبين العالم المحسوس، فيجب أن يكون في جهة العلو.


(١) يعني: أبا الوليد بن رشد، وقوله في «الكشف عن مناهج الأدلة» (ص ١٧٦ - ١٧٨).
(٢) «ح»، «م»: «وورد». والمثبت من «درء التعارض» (٦/ ٢٤٢).
(٣) «ح»: «فكان». والمثبت من «م»، «مناهج الأدلة».