للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأسلاف، فإنهم لحُسن ظنهم بهم وتعظيمهم لهم آثروا ما (١) كانوا عليه على ما جاءتهم به الرُّسل، وكانوا أعظمَ في صدورهم من أن يخالفوهم ويشهدوا عليهم بالكفر والضلال، وأنهم كانوا على الباطل. وهذا شأن كل مقلِّدٍ لمن يعظِّمه فيما خالف فيه الحقَّ إلى يوم القيامة.

فصل

السبب الرابع: أن يكون ذلك (٢) التأويل قد قَبِله ورضيه مُبرِّزٌ في صناعةٍ من الصناعات أو علمٍ من العلوم الدقيقة أو الجليلة، فيعلو له بما برز به ذِكرٌ في الناس، ويشتهر له به صيتٌ. فإذا سمع الغُمْرُ الجاهلُ بقبوله لذلك التأويل وتلك البدعة واختياره له أحسنَ الظنَّ به وارتضاه مذهبًا لنفسه، ورضي مَن قَبِله إمامًا له، وقال: إنه لم يكن ليختار ـ مع جودة قريحته وذكائه وصحة ذهنه ومهارته بصناعته وتبريزه فيها على بني جنسه ـ إلَّا الأصوب والأفضل من الاعتقادات، والأرشد والأمثل من التأويلات، وأين يقع اختياري مِن اختياره (٣)، فرضيت لنفسي ما رَضِيَه لنفسه، فإن عقله وذهنه وقريحته إنما تدله (٤) على الصواب، كما دلته على ما خَفِيَ عن غيره من صناعته وعلمه.

وهذه الآفة قد هلك (٥) بها أُممٌ لا يحصيهم إلَّا الله، رأوا الفلاسفة قد برَّزوا في العلوم الرياضية والطبية، واستنبطوا بعقولهم وجودة قرائحهم


(١) «ح»: «بما».
(٢) «ذلك» ليس في «ب».
(٣) «من اختياره» ليس في «ب».
(٤) «ب»: «يدل».
(٥) «ح»: «تملك». وهو تحريف.