للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصحة أفكارهم ما عجز أكثر الناس عن تعلمه، فضلًا عن استنباطه، فقالوا: للعلوم الإلهية والمعارف الرَّبانية أسوة بذلك، فحالُهم فيها مع الناس كحالهم في هذه العلوم سواء.

فلا إله إلَّا الله، كم أهلكت هذه البليَّة من أُمةٍ، وكم خرَّبت من دارٍ، وكم أزالت من نعمةٍ، وجلبت من نقمةٍ، وجرَّأت كثيرًا من النفوس على تكذيب الرُّسل واستجهالهم! وما عرف أصحابُ هذه الشُّبهة أن الله سبحانه قد يعطي أجهلَ الناس به وبأسمائه وصفاته وشرعه من الحِذْق في العلوم الرياضية والصنايع العجيبة ما يعجِزُ عنه عقول أعلم الناس ومعارفهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِدُنْيَاكُمْ» (١).

وصدَقَ صلوات الله وسلامه عليه؛ فإن (٢) العلوم الرياضية والهندسية وعلم الأرتماطيقي والموسيقى والجغرافيا وإيرن (٣) ـ وهو علم جر (٤) الأثقال ووزن المياه وحفر الأنهار وعمارة الحصون ـ وعلم الفلاحة، وعلم الحُمَّيات وأجناسها ومعرفة الأبوال وألوانها وصفائها وكَدَرِها وما يدل عليه، وعلم الشِّعر وبُحوره وعِلله وزِحافه، وعلم الفنيطة (٥)، ونحو ذلك من العلوم، هم أعلم بها، وأحذق فيها.

وأمَّا العلم بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك فإلى


(١) أخرجه مسلم (٢٣٦٣) عن أم المؤمنين عائشة وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -.
(٢) «ب»: «وإن».
(٣) كذا في «ب». وفي «ح»: «وأيون». ولم أتبين المراد منها.
(٤) «جر» ليس في «ح».
(٥) كذا في «ب». ورسمها في «ح»: «العسطة». ولم أتبين المراد منها.