للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولولا خشية الإطالة لذكرنا في هذا الموضع من تناقضهم في مسائلهم ودلائلهم في كل مسألةٍ ما يتعجب منه العاقل، ويتنبه به الغافل.

وأمَّا مناقضة بعضهم بعضًا ومعارضة بعضهم بعضًا في الأدلة والأحكام فأمر لا خفاء به. فالواحد منهم متناقض مع نفسه، وأصحابه متناقضون فيما بينهم، وهم وخصومهم في هذا الباب أشد تناقضًا، ومناقضتهم (١) لنصوص الوحي معلومة، وهم متناقضون لما تعلم صحته بصريح العقل، فهم في {ظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا} ولكن لا يرى هذه الظلمات إلَّا من هو في نور السمع والعقل {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اِللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور: ٣٩].

الوجه الرابع عشر بعد المائة: أن هؤلاء المعارضين بين الوحي والعقل يستلزم قولهم ثلاث مقدِّمات تناقض دعواهم غاية المناقضة:

المقدمة الأولى: ثبوت الرِّسالة في نفس الأمر على قاعدة أهل الملل (٢)، وأن الرسول جاء من عند الله برسالةٍ ليس مقدورًا لبشرٍ نيلها باكتساب ولا رياضة ولا صناعة من الصنائع.

الثانية: أنه جاء بهذا الكلام الذي ادعوا أن العقل عارضه.

الثالثة: أنه أراد به حقيقته وظاهره.

فلا تتم دعوى المعارضة إلَّا بهذه الأمور، وحينئذٍ فإمَّا أن يقر المعارض


(١) «ح»: «مناقضا ومناقضة».
(٢) «ح»: «الملك».