للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحتاجوا فيه إلى الرُّسل، بل احتاجوا فيه إلى ردِّ ما جاؤوا به بالقانون العقلي، أو رد معناه بالتأويل اللفظي. وحينئذٍ فنقول في:

الوجه العاشر بعد المائة: إن مَثَل ما جاءت به الرُّسل عند النُّفاة والمعطلة مثل من أرسل مع الحاج أدِلَّاء يدلونهم على (١) طريق مكة، وأوصى الأدلاء بأن يخاطبوهم بخطابٍ يدلهم على غير الطريق، ليكون ذلك الخطاب سببًا لنظرهم واستدلالهم حتى يعرفوا الطريق بنظرهم واستدلالهم لا بأولئك الأدلة. وحينئذٍ يردُّون ما فهموا من كلام الأدلة وخطابهم، ويجتهدون في نفي دلالته، وإبطال مفهومه ومقتضاه. ومن المعلوم أن خَلْقًا كثيرًا لا يتبعون إلَّا الأدلاء الذين يدَّعون أنهم أخبر بالطريق منهم، وأن ولاة الأمور قلدوهم دلالة الحاج وتعريفهم الطريق، وأن دَرَكَ (٢) ذلك عليهم.

والطائفة التي ظنت أن الأدلاء لم [يقصدوا] (٣) بكلامهم الدلالة والإرشاد إلى سبيل الرشاد، صار كل منهم يستدل بنظره واجتهاده، فاختلفوا في الطُّرق وتشتتوا، فمنهم من سلك طُرقًا أخرى غير طُرق مكة، فأفضت بهم إلى مفاوزمُعطِشة، وأودية مهلكة، وأرض مَسبَعة (٤)، فأهلكتهم.

وطائفة أخرى شكُّوا وحاروا، فلا (٥) مع الأدلاء سلكوا فأدركوا المقصود، ولا لطُرق المخالفين للأدلاء اتَّبَعُوا؛ بل وقفوا مواقف التائهين


(١) «ح»: «يدلون بهم في». والمثبت من «درء التعارض» (٥/ ٣٦٦).
(٢) الدَّرَك: التَّبِعَة. «الصحاح» (٤/ ١٥٨٢).
(٣) سقط من «ح»، وأثبته من «درء التعارض» (٥/ ٣٦٦).
(٤) أرض مَسبَعة بفتح الأول والثالث: كثيرة السِّباع. «المصباح المنير» (١/ ٢٦٤).
(٥) «ح»: «ولا». والمثبت من «درء التعارض» (٥/ ٣٦٦).