للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخبر به السمع إجمالًا وتفصيلًا من المعقول أصح ممَّا (١) معكم، ولا تذكرون معقولًا يعارض ما ورد به الوحي إلَّا ومعهم معقولٌ أصح منه يُصدِّقه ويُؤيِّده.

الوجه التَّاسع: أن يُقال: لو قُدِّر تعارض الشرع والعقل لوجب تقديم الشرع؛ لأن العقل قد صدَّق الشرع، ومِن ضرورة تصديقه له قبول خبره، والشرع لم يُصدِّق العقل في كل ما أخبر به، ولا العلم بصِدْق الشرع موقوفٌ على كل ما يخبر به العقل.

ومعلوم أن هذا المسلك إذا سُلك أصح من مسلكهم، كما قال بعض أهل الإيمان: يكفيك من العقل أن يُعرفك صدق الرَّسول ومعاني كلامه، ثم يخلي بينك وبينه. وقال آخر: العقل سلطانٌ ولَّى الرَّسول ثم عزل نفسه. لأن (٢) العقل دلَّ على أن الرَّسول يجب تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، ولأن العقل يدل على صدق الرَّسول دلالةً عامةً مطلقةً، ولا يدل على صدق قضايا نفسه دلالةً عامةً؛ ولأن العقل يغلط كما يغلط الحسُّ، وأكثر من غلطه بكثيرٍ، فإذا كان حكم الحسِّ من أقوى الأحكام ويعرض فيه من الغلط ما يعرض، فما الظن بالعقل؟!

الوجه العاشر: أن العقل مع الوحي كالعامِّي المقلِّد مع المفتي العالم، بل ودون ذلك بمراتب كثيرة لا تُحصى، فإن المقلِّد يمكنه أن يصير عالمًا، ولا يمكن للعالم أن يصير نبيًّا رسولًا. فإذا عرف المقلِّد عين المفتي ودلَّ


(١) «ح»: «ما».
(٢) «ح»، «م»: «ولأن». والمثبت من «درء التعارض» (١/ ١٣٨).