للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعيبٍ. فكما أنه موصوف في أفعاله بكل حمدٍ وحكمةٍ وغايةٍ محمودةٍ، فهو منزَّهٌ فيها عن كل عيبٍ وظلمٍ وقبيحٍ. وبهذا استحق أن يكون محمودًا على كل حالٍ، وأن يكون محمودًا على المكاره كما هو محمودٌ على المحابِّ، كما في «صحيح الحاكم» (١) وغيره من حديث عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه الأمر يسُرُّه قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ». وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ».

واللفظ العام إذا ورد على سببٍ وجب دخول السبب فيه، فيوجب هذا الحمد أنه محمودٌ على هذا الأمر [ق ١٢٧ أ] المكروه؛ لأنه حسنٌ منه وحكمةٌ وصوابٌ، فيستحق أن يُحمد عليه. وممَّا يوضح ذلك:

الوجه السادس والعشرون: وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين محبة الربِّ سبحانه للمدح ومحبته للعذر، كما في حديث المغيرة بن شعبة: «لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ» (٢).

وكذلك جمع بينهما في حديث ابن مسعودٍ (٣). فهو سبحانه شديد


(١) «المستدرك» (١/ ٤٩٩). والحديث أخرجه ابن ماجه (٣٨٠٣) والطبراني في «الدعاء» (١٧٦٩) وفي «المعجم الأوسط» (٦٦٦٣) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٣٧٨) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤٠٦٥) وفي «الدعوات الكبير» (٣٧٦). وقال الحاكم: «صحيح الإسناد، ولم يخرجاه». وجوَّد النووي إسناده في «الأذكار» (ص ٣٢٠) وصححه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (١٣٣٨) وابن حجر في «فتح الباري» (٣/ ٢٩٠).
(٢) أخرجه البخاري (٧٤١٦) ومسلم (١٤٩٩).
(٣) متفق عليه، وقد تقدم (ص ١٠٤٦) تخريجه.