للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحن نعلم قطعًا أن الرُّسل لا يُخبرون بمُحال (١) العقول، وإن أخبروا بمحارات العقول (٢)، فلا يخبرون بما يُحيله العقل، وإن أخبروا بما يحار فيه العقل ولا يستقل بمعرفته.

ومن تأمَّل أدلة نُفاة الصِّفات والأفعال والقدر والحكمة والمعاد وأعطاها حقها من النظر العقلي علم بالعقل فسادها وثبوت نقيضها، ولله الحمد.

الوجه التَّاسع عشر: أن المسائل التي يُقال إنه قد تعارَض فيها العقل والسمع [ليست] (٣) من المسائل المعلومة بصريح العقل كمسائل الحساب والهندسة والطبيعيات اليقينية، فلم يجئ في القرآن ولا في السُّنَّة حرفٌ واحدٌ يخالف العقل في هذا الباب. وما جاء من ذلك فهو مكذوبٌ ومفترًى كحديث: «إن الله لمَّا أراد أن يخلق نفسه خَلَقَ خيلًا فأجراها فعَرِقت، فخلق نفسه من ذلك العرق» (٤)، وحديث: «نزوله عشية عرفة على جمل أورق


(١) «م»: «بمحالات».
(٢) «العقول» ليس في «ح». وأثبته من «م».
(٣) من «درء التعارض» (١/ ١٤٨).
(٤) أخرجه الجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (٥٣) وابن الجوزي في «الموضوعات» (١/ ١٠٥) وهو حديث باطل لا أصل له، قال الجورقاني: «هذا حديث موضوع، باطل كفر، لا أصل له عند العلماء، ما قاله رسول الله (، ولا رواه عنه أبو هريرة». وقال الدارمي في «نقضه على المريسي» (٢/ ٦٦١): «وما يستنكر هذا الحديث أنه محال المعنى، بل هو كفرٌ لا ينقاد ولا ينقاس، فكيف خلق الخيل التي عرقت قبل أن تكون نفسه في دعواك؟ ويحك أيها المعارض! إنا نكفِّر من يقول: إن كلام الله مخلوق، فكيف من قال: نفسه». وقال الذهبي في «تلخيص الموضوعات» (ص ١٨): «لعن الله من وضعه».