للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان أحدهما صفة كمالٍ والآخر صفة نقصٍ؛ فإن الله سبحانه يوصف بالكمال منهما دون النقص. ولهذا لمَّا تقابل الموت والحياة وُصف بالحياة دون الموت. ولمَّا تقابل العلم والجهل وُصف بالعلم دون الجهل. وكذلك العجز والقُدرة، والكلام والخرس، والبصر والعمى، والسمع والصمم، والغنى والفقر. ولمَّا تقابلت المباينة للعالم والمداخلة له وُصف بالمباينة دون المداخلة. وإذا كانت المباينة تستلزم علوه على العالم أو سفوله عنه وتَقَابلَ العلو والسفول؛ وُصف بالعلو دون السفول. وإذا كان مباينًا للعالم كان من لوازم مباينته أن يكون فوق العالم، ولمَّا كان العلو صفة كمالٍ كان ذلك من لوازم ذاته، فلا يكون مع وجود العالم إلَّا عاليًا عليه ضرورةً، ولا يكون سبحانه إلَّا فوق المخلوقات كلها، ولا تكون المخلوقات محيطةً به أصلًا. وإذا قابلت بين هذه المقدِّمات ومقدِّمات شُبه المعطلة ظهر لك الحقُّ من الباطل.

فصل

الطريق الرابع (١): أنه إذا كان سبحانه مباينًا للعالم فإمَّا أن يكون محيطًا به أو لا يكون محيطًا به. فإن كان محيطًا به لزم علوه عليه قطعًا ضرورة علو المحيط على المحاط به. ولهذا لمَّا كانت السماء محيطةً بالأرض كانت عاليةً عليها، ولمَّا كان الكرسي محيطًا بالسماوات كان عاليًا عليها، ولمَّا كان العرش محيطًا بالكرسي كان عاليًا. فما (٢) كان محيطًا بجميع ذلك كان عاليًا عليه ضرورةً، ولا يستلزم ذلك محايثته لشيءٍ ممَّا هو محيطٌ به ولا مماثلته


(١) «ح»: «الخامس». وهذا هو الوجه الحادي والخمسون بعد المائة.
(٢) كذا في «ح»، وربما كانت: «فلما».