للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَسَامَعَ الْعُمْيَانُ حَتَّى أَقْبَلُوا ... لِلصُّلْحِ فَازْدَادَ الصِّيَاحُ عَوِيلَا (١)

يوضحه:

الوجه الحادي والستون: وهو أن الطُّرق التي سلكها هؤلاء المعارضون بين الوحي والعقل في إثبات الصَّانع هي بعينها تنفي وجوده، فإنها متضمنةٌ لنفي صفاته وأفعاله صريحًا، وهي تنفي وجوده لزومًا؛ فإن هؤلاء المعارضين صنفان: الفلاسفة والجهمية:

أمَّا الفلاسفة فأثبتوا وجود الصَّانع بطريق التركيب، وهو أن الأجسام مركبة، والمركب يفتقر إلى أجزائه، وكل مفتقرٍ ممكنٌ، والممكن لا بد له من وجود واجبٍ، وتستحيل الكثرة في ذات الواجب بوجهٍ من الوجوه؛ إذ يلزم تركيبه وافتقاره، وذلك ينافي وجوبه. وهذا هو غاية توحيدهم، وبه أثبتوا الخالق على زعمهم، ومعلومٌ أن هذا من أعظم الأدلة على نفي الخالق؛ فإنه ينفي قدرته ومشيئته وعلمه وحياته؛ إذ لو ثبتت له هذه الصِّفات ـ بزعمهم ـ لكان مركبًا، والمركب مفتقرٌ إلى غيره، فلا يكون واجبًا بنفسه.

وفي هذه الشبهة من التلبيس والتدليس والألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة ما يطول وصفه، وقد انتدب لإفسادها جنود الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فإن المركب لفظٌ مجملٌ، يُراد به ما ركَّبه غيره، وما كا ن متفرقًا فاجتمعت أجزاؤه، [ق ٦٤ أ] وما يمكن تفريق بعضه عن بعضٍ، والله سبحانه منزَّهٌ عن هذه التراكيب، ويُراد به في اصطلاح هؤلاء: ما له ماهيةٌ خاصةٌ يتميز


(١) هذه القصيدة لم نقف عليها في غير «الصواعق» و «مختصره»، ولعلها للإمام ابن القيم نفسه.