للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوحيد والعدل. فهذا (١) توحيدهم وهذا عدلهم! والعدل والتوحيد الذي جاء به الرَّسول خلاف هذا وهذا، قال الله تعالى: {شَهِدَ اَللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَاَلْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا اُلْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلْعَزِيزُ اُلْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ اَلدِّينَ عِندَ اَللَّهِ اِلْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٨ - ١٩].

الوجه الثَّامن والتسعون: أنه لو كان الحق فيما يقوله هؤلاء النُّفاة المعطلون وإخوانهم من الملاحدة لكان (٢) قبول الفِطَر له أعظم من قبولها للإثبات الذي هو ضلالٌ وباطلٌ عندهم، فإن الله سبحانه نصب على الحقِّ الأدلة والأعلام الفارقة بين الحق والباطل والنور والظلام، وجعل فطر عباده مستعدة لإدراك الحقائق ومعرفتها، ولولا ما في القلوب من الاستعداد لمعرفة الحقائق لم يمكن النظر والاستدلال ولا الخطاب والكلام والفهم والإفهام. وكما أنه سبحانه جعل الأبدان مستعدة للاغتذاء بالطعام والشراب ولولا ذاك لما أمكن تغذيتها وتربيتها، وكما أن في الأبدان قوةً تفرق بين الغذاء الملائم والمنافي، ففي القلوب قوة تفرق بين الحق والباطل أعظم من ذلك. فخاصة العقل الفرق (٣) بين الحق والباطل، وتمييز هذا من هذا، كما أن خاصة السمع التمييز بين الأصوات حسنها وقبيحها، وخاصة الشم (٤) التمييز بين أنواع الروائح طيبها وخبيثها، وكذلك خاصة الذوق في الطعوم.

فإذا ادعيتم على العقول أنها لا تقبل الحق، وأنها لو صُرِّح لها به لأنكرته


(١) «ح»: «أنه».
(٢) «ح»: «فكان». والمثبت من «م».
(٣) «م»: «التفريق».
(٤) «ح»: «السمع». وهو خطأ ظاهر.