للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الرَّابع والخمسون: أنه ليس في القرآن صفة إلَّا وقد دلَّ العقل الصريح على إثباتها لله، فقد تواطأ عليها دليل العقل ودليل السمع، فلا يمكن أن يُعارض ثبوتها (١) دليلٌ صحيحٌ البتةَ، لا عقلي ولا سمعي، بل إن كان (٢) المعارض سمعيًّا كان كذبًا مفترًى أو ممَّا أخطأ المعارض في فهمه، وإن كان عقليًّا فهو شُبه خيالية وهمية، لا دليل عقلي برهاني.

واعلم أن هذه دعوى عظيمة يُنكرها كل جهميٍّ ونافٍ وفيلسوف وقرمطيٍّ وباطنيٍّ، ويعرفها مَن نوَّر الله قلبه بنور الإيمان، وباشر قلبَه معرفةُ الذي دعت إليه الرُّسل، وأقرت به الفِطَر، وشهدت به العقول الصحيحة المستقيمة، لا المنكوسة المركوسة التي نُكست قلوب أصحابها، فرأت الحقَّ باطلًا والباطل حقًّا، والهدى ضلالةً، والضلالة هدًى.

وقد نبَّه الله سبحانه في كتابه على ذلك، وأرشد إليه، ودلَّ عليه في غير موضعٍ منه، وبيَّن أن ما وصف به نفسه هو الكمال الذي لا يستحقه سواه، فجاحِده جاحدٌ لكمال الربِّ؛ فإنه تمدَّح بكل صفةٍ وَصَفَ بها نفسه، وأثنى بها على نفسه، ومجَّد بها نفسه، وحمد بها نفسه، فذكرها سبحانه على وجه المدحة له والتعظيم والتمجيد، وتعرَّف بها إلى عباده؛ ليعرفوا كماله وعظمته ومجده وجلاله.

وكثيرًا ما يذكرها عند ذكر آلهتهم التي عبدوها من دونه، وجعلوها شركاء له، فيذكر سبحانه من صفات كماله وعلوه على عرشه وتكلمه وتكليمه وإحاطة علمه ونفوذ مشيئته ما هو منتفٍ عن آلهتهم؛ فيكون ذلك


(١) «ح»: «بثبوتها». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «كل». والمثبت من «م».