للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والله الموفق للصواب، لا إله غيره ولا ربَّ سواه.

الوجه الثالث والأربعون بعد المائة: أن هؤلاء لم يكفهم أن سدُّوا على أنفسهم باب الردِّ على أعداء الإسلام بما وافقوهم فيه من النفي والتعطيل، حتى فتحوا لهم [ق ٩٨ أ] الباب، وطرَّقوا لهم الطريق إلى محاربة القرآن والسُّنَّة. فلمَّا دخلوا من بابهم، وسلكوا من طريقهم، تحيزوا معهم وصاروا جميعًا حربًا للوحي، وادَّعوا أن العقل يخالفه. ولا يمكن الردُّ على أهل الباطل إلَّا مع اتباع السُّنَّة من كل وجهٍ، وإلَّا فإذا وافقها الرجل من وجهٍ وخالفها من وجهٍ طمع فيه خصومه من الوجه الذي خالفها فيه، واحتجوا عليه بما وافقهم فيه من تلك المقدمات المخالفة للسُّنة.

ومن تدبَّر عامة ما يحتج به أهل الباطل على من هو أقرب إلى الحق منهم وجد حجتهم إنما تقوى على من ترك شيئًا من الحق الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه، فيكون ما تركه من الحقِّ من أعظم حجة للمبطل عليهم؛ ويجد كثيرًا من أهل الكلام يوافقون خصومهم على الباطل تارةً، ويخالفونهم في الحقِّ تارةً، فيتسلطون عليهم بما وافقوهم فيه من الباطل، وبما خالفوه (١) من الحقِّ.

وليس لمبطلٍ ـ بحمد الله ـ حجةٌ ولا سبيلٌ بوجهٍ من الوجوه على من وافق السُّنَّة ولم يخرج عنها، حتى إذا خرج عنها قدر أنملة تسلط عليه المبطل بحسب القدر الذي خرج به عن السُّنَّة. فالسُّنَّة حصن الله الحصين الذي من دخله كان من الآمنين، وصراطه المستقيم الذي من سلكه كان إليه


(١) «ح»: «خالفوهم». ولعل المثبت هو الصواب.