للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانظر هذا الإخاء ما ألصقه، والنَّسَب ما أقربه! وإذا أردت أن تعرف حقيقة الحال فانظر حالهم مع هؤلاء الزنادقة في ردِّهم عليهم، وبحوثهم معهم، وخضوعهم لهم فيها، ومقاومة أعداء الرُّسل لهم، واستطالتهم عليهم، ومقاتلتهم لهم بأسلحتهم التي استعاروها منهم.

فإن قلت: كيف أُصيب القوم مع عقولهم وبحثهم ونظرهم واجتهادهم؟!

قلت: أصاب عقولَهم ما أصاب عقول كفار قريشٍ وغيرهم من الأُمم الذين كذبوا الرُّسل مع تلك الأحلام (١) والعقول، ولكن كادها باريها (٢) عبرة لكل ذي عقلٍ صحيحٍ إلى يوم القيامة. وهذا جزاء مَن لم يرضَ بوحي الله وما وهب لأنبيائه من العقول التي نسبتها إلى عقول العالمين كنسبتهم إليهم.

الوجه الرَّابع والثلاثون: وهو أن الله سبحانه اقتضت حكمته وعدله أن يُفسد على العبد عقله الذي خالف به رسله، ولم يجعله منقادًا لهم، مسلِّمًا لما جاؤوا به، مذعنًا له، بحيث يكون مع الرَّسول كمملوكه المنقاد من جميع الوجوه للمالك المتصرف فيه، ليس له معه تصرُّف بوجهٍ من الوجوه.

فأول ما أفسد سبحانه عقل شيخهم القديم إبليس، حيث لم يَنقَدْ به لأمره، وعارض النصَّ بالعقل، وذكر وجه المعارضة فأفسد عليه عقله غاية الإفساد حتى آل الأمر إلى أن صار إمام المبطلين، وقدوة الملحدين، وشيخ الكفار والمنافقين.


(١) «ح»: «الأحكام». والأحلام: الألباب والعقول، واحدها حِلم بالكسر. «النهاية في غريب الحديث» (١/ ٤٣٤).
(٢) أي: مكر بها، والكيد: المكر، كاده يكيده كيدًا ومكيدة. «الصحاح» (٢/ ٥٣٣).