للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلق، والاستواء على العرش، وتكلُّم الله وتكليمه للرُّسل، وإثبات الوجه واليدين والسمع والبصر والحياة والمحبة والغضب والرضا للرب سبحانه. وهذا عند النُّفاة بمنزلة وَصْفِه بالأكل والشرب والجوع والعطش والنوم والموت، كل ذلك مستحيلٌ عليه، ومعلوم أن إخبار الرَّسول عنه سبحانه بما هو مستحيلٌ عليه من أعظم المنفِّرات عنه، ومعارضته فيه أسهل من معارضته فيما عداه، ولم يعارضه أعداؤه في حرفٍ واحدٍ من هذا الباب، ولا أنكروا عليه كلمةً واحدةً منه، مع حرصهم على معارضته بكل ما يقدرون عليه، فهلَّا عارضوه بما عارضته به الجهمية والنُّفاة، وقالوا: قد [ق ٥٤ أ] أخبرتنا بما يخالف العقل الصريح، فكيف يمكننا تصديقك؟!

بل كان القوم على شركهم وضلالهم أَعرَفَ بالله وصفاته من النُّفاة الجهمية، وأقرب إلى إثبات الأسماء والصفات والقدر والمشيئة والفعل من شيوخ هؤلاء الفلاسفة وأتباعهم من السيناوية والفارابية والطوسية (١)، الذين ليس للعالم عندهم ربٌّ يُعبد، ولا رسول يُطاع، ولا معادَ للخليقة، ولا يُزيل الله هذا العالم ويأتي بعالمٍ آخر. فهذه الأصول قد اشتركت فيها أعداء الرُّسل، وامتازت كفار قريش بإثباتهم الربوبية والصفات والملائكة وخلق العالم وكون الرب فاعلًا بمشيئته وقدرته، ولهذا لم يعارضوا الرَّسول في شيءٍ من ذلك.

الوجه الخامس والأربعون: أنه لو جاز أن يكون في العقول ما يُناقض خبر الرَّسول لم يُتصور الإيمان به البتَّةَ لوجهين:


(١) نسبة لابن سينا والفارابي والطوسي.