للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام وأهله من أولئك، لأنهم انتسبوا إليه وأخذوا في هدم قواعده وقلع أَساسه، وهم يتوهمون ويُوهمون أنهم ينصرونه.

الوجه الخامس عشر: أن التفاوت الذي بين الرُّسل وبين أرباب هذه المعقولات أعظم بكثيرٍ من التفاوت الذي بين هؤلاء وبين أجهل النَّاس على الإطلاق، فإن هذا الجاهل يمكنه مع الطلب والتعليم أن يصير عالمًا بما عند هؤلاء، ولا يمكن أشدَّ هؤلاء حرصًا وذكاءً وقوةً وفراغًا أن يصير نبيًّا؛ فإن النبوة خاصةٌ من الله، يختصُّ بها من يشاء من عباده، لا تُنال بكَسْبٍ ولا باجتهادٍ. فإذا علم الإنسان بعقله أن هذا الرَّسول، وعلم أنه أخبر بشيءٍ، ووجد في عقله ما يُنافي خبره؛ كان الواجب عليه أن يُسلِّم لما أخبر به الصَّادق الذي هو أعلم منه، وينقاد له، ويتهم عقله، ويعلم أن عقله بالنسبة إليه أقل من عقل أجهل الخلق بالنسبة إليه هو، وأن التفاوت الذي بينهما في العلم والمعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله ودينه أعظم بكثير كثير من التفاوت الذي بين [من] (١) لا خبرة له بصناعة الطب ومن هو أعلم أهل زمانه بها.

فيا للَّهِ العَجَبُ! إذا كان عقله يُوجب عليه أن ينقاد لطبيبٍ يهوديٍّ فيما يخبر به من قُوى الأدوية والأغذية والأشربة والأضمدة والمُسْهِلات (٢) وصفاتها وكَمِّياتها ودرجاتها، مع ما عليه في ذلك من الكلفة والألم ومقاساة المكروهات؛ لظنِّه أن هذا اليهودي أعلم بهذا الشأن منه، وأنه إذا صدَّقه كان في تصديقه حصول الشفاء والعافية، مع علمه بأنه يُخطئ كثيرًا، وأن كثيرًا من


(١) زيادة ليستقيم الكلام.
(٢) «ح»: «المستهلات». والمثبت من «درء التعارض» (١/ ١٤١). يقال: أُسهل بطنه، وأسهله الدواء: ألان بطنه، وهذا دواء مُسْهِل. «تاج العروس» (٢٩/ ٢٣٥ (.