للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقدَّمة على ما جاء به الرَّسول. وإن أشقَوا (١) مذاهبهم بالتأويل لما (٢) جاء به، فلم تُقدِم طائفةٌ منهم على ما أقدمت عليه هذه الفرقة وقالوا: العقل أولى بالاتباع ممَّا جاء به الرَّسول، ولا قالت فرقة من هذه الفرق لأصحاب هذه المعقولات: أَعِينُونا بما عندكم، واشهدوا لنا وعلينا بما قِبَلكم؛ ولا حققت مقالتها بشهادتهم، ولا استعانت بطريقتهم، ولا وجدت عندها علمًا ومعرفةً لم تجده في كتاب ربِّها وسُنة نبيِّها.

وكما لم تجد أحدًا من فِرَق هذه الأُمة يَفزَع إلى أرباب هذه العقول في شيءٍ من دينها، فكذلك كانت أُمة موسى وعيسى لم تُعَوِّل على هؤلاء في شيءٍ من أمر دينها، بل ما زال أهل الملل يُحذِّرون من هؤلاء أشد التحذير، وينفرون منهم أشد التنفير، عِلمًا بأنهم سُوس الملل وأعداء الرُّسل.

وأنت إذا تأمَّلت أصول الفرق الإسلامية كلها وجدتها متفقةً على تقديم الوحي على العقل، ولم يُؤسسوا مقالاتهم على ما أسسها عليه هؤلاء من تقديم آرائهم وعقولهم على نصوص الوحي، فإن هذا أساس طريقة أعداء الرُّسل، فهم متفقون على هذا الأصل، ومنهم أُخذ وعنهم تُلقِّي، كما حكى الله سبحانه عنهم في كتابه أنهم عارضوا شرعه ودينه بآرائهم وعقولهم، ولكن الفرق بينهم وبين هؤلاء [أن] (٣) أولئك جاهَروا بتكذيب الرُّسل ومعاداتهم، وهؤلاء أقرُّوا برسالاتهم، وانتسبوا في الظاهر إليهم، ثم نقضوا ما أقرُّوا به، وقالوا: يجب تقديم عقولنا وآرائنا على ما جاءوا به. فهم أعظم ضررًا على


(١) كذا في «ح».
(٢) «ح»: «بما».
(٣) زيادة يقتضيها السياق.