للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدم العلم بالقائل به مسوِّغًا لمخالفته، فإنه دليل (١) مُوجِب للاتباع (٢)، وعدم العلم بالمخالف لا يصلح أن يكون معارضًا، فلا (٣) يجوز ترك الدليل له.

وإذا تأمَّلْت هذا الموضع وجدت كثيرًا من أعيان العلماء قد صاروا إلى أقوال متمسَّكُهم فيها عدمُ العلم بالمخالف، مع قيام الأدلة الظاهرة على خلاف تلك الأقوال. وعُذْرُهم - رضي الله عنهم - أنهم لم يمكن أحدًا منهم أن يبتدئ قولًا لم يَعلم به قائلًا، مع علمه بأن الناس قد قالوا [ق ٣٤ أ] خلافه، فيتركَّب من هذا العلم وعدم ذلك العلم الإمساك عن اتباع ذلك الدليل.

وها هنا انقسم العلماء (٤) ثلاثة أقسام:

فقسمٌ أخذوا بما بلغهم من أقوال أهل العلم، وقالوا: لا يجوز لنا أن نخالفهم ونقول قولًا لم نُسبَق إليه. وهؤلاء معذورون قبل وصول الخلاف إليهم. فأمَّا مَن وصل إليه الخلاف وعَلِمَ بذلك القول قائلًا فما أدري ما عذره عند الله في مخالفته صريح الدليل (٥)؟!

وقسمٌ توقفوا وعلَّقوا القول، فقالوا: إن كان في المسألة إجماعٌ فهو أحق ما اتُّبِعَ، وإلا فالقول فيها كَيْتَ وكَيْتَ، وهو موجَب الدليل. ولو عَلِمَ هؤلاء قائلًا به لصرحوا بموافقته. فإذا عُلم به قائلٌ فالذي ينبغي ـ ولا يجوز غيره ـ أن يُضاف ذلك القول إليهم؛ لأنهم إنما تركوه لظنهم أنه لا قائل به، وأنه لو كان


(١) «دليل» ليس في «ح».
(٢) «ح»: «الاتباع».
(٣) «ح»: «ولا».
(٤) «العلماء» سقط من «ح».
(٥) «ب»: «مخالفة صريح الدليل منه».