للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عامَّة العلوم العقلية، فمعرفتهم مراد المتكلم لهم بكلامه أتمُّ وأقوى من معرفتهم بتلك القوانين التي وضعها أربابها للقدح في إفادة الخطاب لليقين.

الرَّابع: أنَّ الطِّفل أولَ ما يميِّز يَعرِف مراد مَن يُرَبِّيه بلفظه قبل أن يُعرِّفه شيئًا من العلوم الضرورية، فلا أقدمَ عنده ولا أسبقَ من تيقُّنه لمراد مَن يخاطبه بلفظه، فالعلم بذلك مقدَّمٌ على سائر العلوم الضَّرورية. فمَن جعل العقليات تُفيد اليقين، والسَّمعيات لا تُفيد معرفة مراد المتكلِّم؛ فقد قَلَبَ الحقائق، وناقَضَ الفطرة، وعَكَسَ الواقع.

الخامس: أن كلَّ إنسانٍ يَدُلُّ غيره بالأدلة اللفظية على ما يعرفه، ويعرف مراد غيره بالأدلة اللفظية، وأمَّا الاستدلال بالعقليات الكُليَّة فلا يعرفه إلَّا بعضُ النَّاس، وما يعرفه كلُّ أحدٍ ويتيقَّنه فهو أظهر ممَّا لا يعرفه إلَّا بعض النَّاس.

السَّادس: أن التَّعريف بالأدلة اللفظية أصل للتَّعريف بالأدلة العقلية، فمَن لم يكن له سبيلٌ إلى العلم بمدلول هذه لم يكن له سبيلٌ إلى العلم بمدلول تلك. بل العلم بمدلول الأدلة اللفظية أسبقُ، فإنه يُوجد في أول تمييز الإنسان. وحينئذٍ فالقدح في حصول العلم بمدلول الأدلة اللفظية قدحٌ في حصول العلم بمدلول العقلية، بل هي أصل العلم بها، فإذا بَطَلَ الأصل بطل فرعه، يوضِّحه:

الوجه السَّابع: وهو أن الإنسان في فهمه وإفهامه للدليل العقلي محتاجٌ إلى معرفة مراد المخبِر به الذَّاكر (١) له لِمَن يخاطبه، فإذا لم يحصل له علمٌ


(١) «ب»: «الذكر».