للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتوسعة على العيال! السُّنَّة تتبع طريق الرسول، واقتفاء آثاره، والوقوف عند مراسمه وحدوده من غير تقصيرٍ ولا غلوٍّ، وألَّا يتقدم بين يديه، ولا تختار لنفسك قولًا لم يتبيَّن لك أنه جاء به. فالسُّنَّة مقابلة أوامره بالامتثال، ونواهيه بالانكفاف، وأخباره بالتصديق، ومجانبة الشُّبه والآراء وكل ما خالف النقل، وإن كانت له حلاوةٌ في السمع وقبولٌ في القلب، ليست القلوب والعقول والآراء معيارًا على الشرع.

ليس لله طائفةٌ أجلُّ من قومٍ حدَّثوا عنه وعن رسوله وما أَحْدَثوا، وعوَّلوا على ما رووا، لا على ما رأوا. الوقوف مع النقل مقام الصدِّيقين، وورثة النبيين والمرسلين، هذه نصيحتي لنفسي ولإخواني من المؤمنين».

فهذا كلام من دخل مع المتكلمين إلى غايتهم، ووقف على نهايتهم، وخبَرَ الكلام وقلاه، وعرف مداه ومنتهاه. وقد تقدَّم حكاية كلام معاصره ومُناظره أبي حامد الغزالي (١) في ذمِّ الكلام. وهما من أعلم أهل عصرهما بمذاهب المتكلمين.

الوجه الثمانون بعد المائة: أنه من المعلوم عند جميع العقلاء أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم هم أعقل الخلق، وعقولهم أكمل العقول. ولهذا كان ما جاؤوا به فوق عقول البشر، ولهذا حصل على أيديهم من الخير ما لم يحصل على أيدي سواهم، وصلح من أحوال النفوس والقلوب وعمارتها بالخير وتزكيتها بالعلم والعمل ما لم يحصل لأحدٍ غيرهم؛ فعمارة القلوب والدنيا والآخرة على أيديهم.


(١) تقدم (ص ٨٥٨).