للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوحيد الحقَّ أصلًا، وحينئذٍ فنقول في:

الوجه السَّابع والتسعين (١): أن التوحيد الذي دعا إليه هؤلاء الملاحدة، وذكروا أنه التوحيد الحق هو من أعظم الإلحاد في أسماء الربِّ وصفاته وأفعاله، وهو حقيقة الكفر به، وتعطيل العالم عن صانعه، وتعطيل الصَّانع الذي أثبتوه عن صفات كماله. فشِرْك (٢) عُبَّاد الأصنام والأوثان والكواكب والشمس والقمر خيرٌ من توحيد هؤلاء بكثيرٍ، فإنه شركٌ في الإلهية مع إثبات صانع العالم وصفاته وأفعاله وقدرته ومشيئته وعلمه بالكليات والجزئيات، وتوحيدُ هؤلاء تعطيلُ الربوبية والإلهية وسائر صفاته، وهذا التوحيد ملازمٌ لأعظم أنواع الشرك، ولهذا كلما كان الرجل أعظم تعطيلًا كان أعظم شركًا، ولا تجد معطلًا نافيًا إلَّا وفيه من الشرك بقدر ما فيه من التعطيل.

وتوحيد الجهمية والفلاسفة مناقض لتوحيد الرُّسل من كل وجهٍ، فإن مضمون توحيد الجهمية إنكارُ حياة الربِّ وعلمه وقدرته وسمعه وبصره وكلامه واستوائه على عرشه، ورؤية المؤمنين له بأبصارهم عيانًا من فوقهم يوم القيامة، وإنكارُ وجهه الأعلى ويديه ومجيئه وإتيانه ومحبته ورضاه وغضبه وضحكه وسائر ما أخبر به الرَّسول عنه.

ومعلومٌ أن هذا التوحيد هو نفس تكذيب الرَّسول فيما أخبر به عن الله وجحده، فاستعار له أصحابه اسم التوحيد وقالوا: نحن الموحدون (٣). كما استعار المنكرون للقدر اسم العدل بجحده ودفعه، وقالوا: نحن أهل


(١) «ح»: «والتسعون».
(٢) «ح»: «فسر لي». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «الموحدين».