للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالحاصل أنه إن عارض ما فهمه من النصِّ بما هو الباطل كان جاهلًا بالوحي ومدلوله، وإن عارض مدلوله وحقيقته التي دلَّ عليها فهو جاهلٌ بالعقل، فلا يُتصور أن يجتمع لهذا المعارض علمٌ بالوحي والعقل أصلًا، بل إمَّا أن يكون جاهلًا بهما ـ وهو الأغلب على هؤلاء ـ أو بأحدهما.

ولسنا ندفع معرفتهم ببعض العقليات المشتركة بين المسلمين واليهود والنصارى والمجوس وعُبَّاد الأصنام، بل ولا ندفع تبريزهم فيها وحذقهم بها، وإنما نُبيِّن بالبراهين الواضحة أنهم من أجهل الناس بالعقليات المتعلقة بأسماء الربِّ وصفاته وأفعاله، كما هم جهالٌ بوحيه وبما جاءت به رسله. وقد نفى الله سبحانه السمع والعقل عمَّن أعرض عن رسله، فكيف بمن عارض ما جاؤوا به؟! وأخبر سبحانه أنه لا بد أن يظهر لهم في معادهم أنهم لم يكونوا من أهل السمع ولا من أهل العقل (١).

الوجه الثامن والعشرون بعد المائة: أن هؤلاء المعارضين ـ كما تقدم ـ هم صنفان: ملاحدة دهرية، ومعطلة جهمية.

والملاحدة الدَّهرية أصل معارضتهم تكذيب الرُّسل والطعن فيما جاؤوا به، فهم خصوم الرُّسل في الأصل. وهؤلاء الجهمية المعطلة قولهم مأخوذٌ من قول [ق ٩٢ ب] أولئك بعينه، وطريقتهم مشتقة من طريقتهم. بل كلماتهم واحدة، ولكن أولئك سلكوا المعارضة بين العقل ونفس الرِّسالة، وهؤلاء سلكوا المعارضة بين العقل وبين أشرف ما جاءت به الرُّسل، وأفضله وأجلِّه.


(١) في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ اِلسَّعِيرِ} [الملك: ١١].