وفصاحته، أو في فهم السَّامع وذهنه، أو فيهما معًا؛ فإن عَدَمَ العلم بمراده إن كان لتقصيرٍ في بيانه كان ذلك قدحًا فيه، وإن كان لقصور فَهْم السَّامع كان كذلك. فإذا كان المتكلم تامَّ البيان والمخاطب تامَّ الفهم فكيف يَتخلَّف العلم عنه بمراده!
الوجه الثَّاني عشر: أنه إذا كان التفاهُم والعلم بمراد الحيوان من غيره حاصلًا للحيوانات، فما الظنُّ بأشرف أنواعها وهو الإنسان، فما الظنُّ بأشرف هذا النَّوع، وهم العقلاء المعتنون بالبيان والإيضاح، فما الظنُّ بالأنبياء المخصوصين من العلم والبيان والإفهام بما ليس مثله لسواهم، فما الظنُّ بأفضل الأنبياء وأعلمهم وأكملهم بيانًا، وأتمِّهم فصاحةً، وأَقدَرِهم على التعبير عن المعنى باللفظ الذي لا يَزيد عليه ولا يَنقص عنه ولا يُوهِم غيرَه، وأَحرَصِهم على تعليم الأُمة وتفهيمهم؟! وأصحابه أَكمَل الأُمم عقلًا وفهمًا وفصاحةً وحرصًا على فَهْم مراده، فكيف لا يكونون قد تيقَّنوا مراده بألفاظه، وكيف لا يكون التَّابعون لهم بإحسانٍ قد تيقَّنوا مرادهم ممَّا بلَّغوهم إيَّاه عن نبيهم، ونقلوه إليهم؟!
الوجه الثَّالث عشر: أنَّا نعلم بالضَّرورة أن شيوخنا الذين كانوا يخاطبوننا كانوا يُعرِّفونا مرادهم بألفاظهم، وقد عَرَفنا مرادهم يقينًا، وهكذا نحن فيمن نعلمه ونخاطبه، وهم كانوا أفضل منَّا وأكمل علمًا وتعليمًا، ومَن قبلَهم كانوا أفضل منهم وأكمل علمًا [ب ٨٠ أ] وتعليمًا، ومَن قبلَهم كذلك، وهلم جرًّا إلى أوائل هذه الأُمة؛ فكيف يكون هؤلاء كلُّهم لم يعلموا مراد الله ورسوله من كلامه، ولا حصل لهم يقينٌ بمعرفة مراده من ألفاظه؟!
ومَن تدبَّر هذا أو تَصوَّره تبيَّن له أن قول القائل: «الأدلة اللفظية التي جاء