للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَفْتَرُونَ (١١٣) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ اُلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} [الأنعام: ١١٣ - ١١٤]. ويوضحه:

الوجه الثاني والثمانون بعد المائة: وهو أن الله سبحانه أنكر على من لم يكتفِ بكتابه، فقال: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥١]. ومن المحال أن يكون الكتاب الذي يخالفه صريح العقل كافيًا، وإنما يكون كافيًا لمن قدَّمه على كل معقولٍ ورأيٍ وقياسٍ وذوقٍ وحقيقةٍ وسياسةٍ، فهذا الكتاب في حقِّه كافٍ له، كما أنه إنما يكون رحمةً وذكرى له دون غيره. وأمَّا مَن أعرض عنه أو عارضه بآراء الرجال فليس بكافٍ له، ولا هو في حقِّه هدًى ولا رحمةٌ، بل هو من الذين آمنو بالباطل وكفروا بالله. ويوضحه:

الوجه الثالث والثمانون بعد المائة: أن هؤلاء الذين لم يكتفوا بكتابه حتى سلكوا ـ بزعمهم ـ طريقة العقل وعارضوه به وقدَّموه عليه من جنس الذين لم يكتفوا به سبحانه إلهًا حتى جعلوا له أندادًا يعبدونهم كما يعبدون الله، بل أولئك لم يقدِّموا أندادهم على الله. فهؤلاء جعلوا لله ندًّا يطيعونه ويعظِّمونه ويعبدونه كما يعظمون الله ويعبدونه، وهؤلاء جعلوا لكتابه ندًّا يتحاكمون إليه ويقبلون حكمه ويقدِّمونه على حُكم كتابه. بل الأمران متلازمان، فمن لم يكتف بكتابه لم يكتف به، فمتى (١) جعل لكتابه ندًّا فقد جعل له ندًّا، لا يكون غير ذلك البتة. فلا ترى من عارض الوحي برأيه وجعله ندًّا له إلَّا مشركًا بالله قد اتخذ من دون الله أندادًا. ولهذا كان مرض التعطيل ومرض الشرك أخوين متصاحبين، لا ينفك أحدهما عن صاحبه،


(١) «ح»: «حتى». ولعل المثبت هو الصواب.