للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: {وَمَا اَخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اَللَّهِ} [الشورى: ٨]. وهذا نصٌّ صريحٌ في أن حكم جميع ما تنازعنا فيه مردودٌ [ق ٤٧ أ] إلى الله وحده، وهو الحاكم فيه على لسان رسوله، فلو قُدِّم حكم العقل على حكمه لم يكن هو الحاكم بوحيه وكتابه.

وقال تعالى: {اَتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: ٢] فأمر باتِّباع الوحي المنزَّل وَحْدَه، ونهى عن اتِّباع ما خالفه.

وأخبر سبحانه أن كتابه بيِّنةٌ وشفاءٌ وهدًى ورحمةٌ ونورٌ وفصلٌ وبرهانٌ وحجةٌ وبيانٌ (١)، فلو كان في العقل ما يعارضه ويجب تقديمه على القرآن لم يكن فيه شيءٌ من ذلك، بل كانت هذه الصِّفات للعقل دونه، وكان عنها بمعزلٍ؛ فكيف يَشفِي ويهدي ويُبيِّن ويُفصِّل ما يعارضه صريح العقل؟!

الوجه الثَّامن عشر: أن ما عُلم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء لا يُتصوَّر أن يُعارضه الشرع البتَّة، ولا يأتي بخلافه، ومن تأمَّل ذلك فيما تنازع (٢) العقلاء فيه من المسائل الكبار وجد ما خالفت النصوص الصحيحة الصريحة شبهاتٍ فاسدةً، يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للنقل.

فتأمَّل ذلك في مسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد، تجد ما يدلُّ عليه صريح العقل لم يخالفه سمعٌ قط، بل السمع الذي يخالفه إمَّا أن يكون حديثًا موضوعًا، أو لا تكون دلالته مخالفة لِمَا دل عليه العقل.


(١) «ح»، «م»: «ونورا وفضلا وبرهانا وحجة وبيانا».
(٢) «ح»: «ينازع». والمثبت من «م».