للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محبةٍ لربه وإرادةٍ لوجهه وشوقٍ إلى لقائه فطلبُه لهذا الباب وحرصُه على معرفته وازدياده من التبصر فيه وسؤاله واستكشافه عنه هو أكبرُ مقاصده، وأعظم مطالبه وأجلُّ غاياته، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيءٍ من الأشياء أشوقَ منها إلى معرفة هذا الأمر، ولا فرحُها بشيءٍ أعظمَ من فرحها بالظفر بمعرفة الحقِّ فيه. فكيف يمكن مع قيام هذا المقتضي ـ الذي هو من أقوى المقتضيات ـ أن يتخلف عنه أثره في خيار الأُمة وسادات أهل العلم والإيمان، الذين هِمَمهم أشرف الهمم، ومطالبهم أجلُّ المطالب، ونفوسهم أزكى النفوس، فكيف يُظن بهم الإعراضُ عن مثل هذا الأمر العظيم أو الغفلة عنه، أو التكلم بخلاف الصواب فيه واعتقاد الباطل.

ومن المُحال أن يكون تلاميذ المعتزلة وورثةُ الصابئين وأفراخ اليونان ـ الذين شهدوا على أنفسهم بالحيرة والشك وعدم العلم الذي يطمئن إليه القلب، وأشهدوا اللهَ وملائكته عليهم به (١)، وشهد به عليهم الأشهادُ من أتباع الرُّسل ـ أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأعرف به ممَّن شهد الله ورسوله لهم بالعلم والإيمان، وفضَّلهم على من سبقهم ومَن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، ما خلا النبيين والمرسلين. وهل يقول هذا إلَّا غبيٌّ جاهلٌ لم يَقدِر قدْر السلف، ولا عرف الله ورسوله وما جاء به!

قال شيخنا (٢): «وإنما أُتي (٣) هؤلاء المبتدعةُ ـ الذين فضَّلوا طريقة الخلف على طريقة السَّلف ـ من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد


(١) «به» ليس في «ب».
(٢) «الفتوى الحموية الكبرى» (ص ١٨٨ - ١٩٥) بتصرف.
(٣) «ح»: «والحال في».