للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الرابع (١)

في الفرق بين تأويل الخبر وتأويل الطلب

لمَّا كان الكلام نوعان (٢): خبرٌ وطلبٌ، وكان المقصود من الخبر تصديقه، ومن الطلب امتثاله، كان المقصود من تأويل الخبر هو تصديق مُخبِره، ومن تأويل الطلب هو امتثاله، وكان كل تأويلٍ يعود على المخبِر بالتعطيل وعلى الطلب بالمخالفة تأويلًا باطلًا.

والمقصود الفرقُ بين تأويل الأمر والنهي وتأويل الخبر، فالأول معرفته فرضٌ على كل مكلَّفٍ؛ لأنه لا يمكنه الامتثالُ إلَّا بعد معرفة تأويله.

قال سفيان بن عيينة: «السُّنَّة هي تأويل الأمر والنهي» (٣).

ولا خلاف بين الأُمة أنَّ الراسخين في العلم يعلمون هذا التأويل، وأرسخُهم في العلم أعلمُهم به. ولو كان معرفة هذا التأويل ممتنعًا على البشر لا يعلمه إلَّا اللهُ لكان العمل بنصوصه ممتنعًا، كيف والعمل بها واجبٌ، فلا بد أن يكون في الأُمة من يعرف تأويلَها، وإلا كانت الأُمة كلها مضيعةً لما أُمرت به.

وقد يكون معنى النَّص بيِّنًا جليًّا، فلا تختلف الأُمة في تأويله، وإن وقع الخلاف في حُكمه لخفائه على من لم يبلغه، أو لقيام معارضٍ عنده، أو


(١) «ح»: «الثالث».
(٢) كذا في النسختين بالألف، وهو خبر كان.
(٣) لم نقف عليه مسندًا إلى ابن عيينة بهذا اللفظ، وقد نسبه له شيخ الإِسلام ابن تيمية في «درء تعارض العقل والنقل» (١/ ٢٠٦) و «التدمرية» (ص ٩٤).