للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونصيحة عباده وإرشادهم ودعوتهم إلى الله؟! وأي فسادٍ أعظم من فساد جوارح عُطِّلت عن عبودية فاطرها وخالقها وخدمته والمبادرة إلى مرضاته؟!

وبالجملة فما عُصي الله بشيءٍ إلَّا أفسده على صاحبه، ومن أعظم معصية العقل إعراضه عن كتابه ووحيه الذي هدى به رسوله وأتباعه، والمعارضة بينه وبين كلام غيره، فأي فسادٍ أعظم من فساد هذا العقل؟! وقد أرى الله سبحانه أتباع رسوله من فساد عقل هؤلاء ما هو من أقوى أسباب زيادة إيمانهم بالرَّسول وبما جاء به، وموجبًا لشدة تمسكهم به. ولقد أحسن القائل (١):

وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى أَمِيرِي زَادَنِي ... نَظَرِي لَهُ حُبًّا (٢) إِلَى الْأُمَرَاء

الوجه الخامس والثلاثون: هذه القاعدة التي أسَّسها مَن عارض بين العقل والنقل [تقتضي] (٣) ألَّا ينتفع بخبر الأنبياء في باب الصِّفات والأفعال أحدٌ من الخاصة والعامة.

أمَّا الخاصة فهم مُصرِّحون بأن علم ذلك ومعرفته موكول إلى العقول، فما (٤) دلَّت عليه وشهدت به قُبل، وما خالفها من السمع وجب ردُّه، فلم يستفيدوا من جهة الخبر شيئًا، وإنما استفادوا الحقَّ من جهة العقل المعارض (٥) لما أخبرت به الرُّسل.

وأمَّا العامة فإنهم اعتقدوا ما دلَّ عليه الخبر، وهو باطلٌ في نفس الأمر، فلم


(١) البيت لعدي بن الرقاع في «ديوانه» (ص ١٦٢). وقد أنشده المصنِّف في «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٦٩) أيضًا.
(٢) في «الديوان»: «ضنًا به نظري».
(٣) زدته ليستقيم السياق.
(٤) «ح»: «فيما».
(٥) «ح»: «العارض».