للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلا إرادة، وفعَّالٌ لما يريد ولا فِعْلَ له ولا إرادة.

وقالوا: الربُّ موجودٌ قائمٌ بنفسه، ليس في العالم ولا خارجه، ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه، ولا فوقه ولا تحته، ولا عن يمينه ولا عن يساره.

وقالوا: إنه لم [ق ٥٠ ب] يزل معطَّلًا عن الفعل، والفعل ممتنع، ثم انقلب من الامتناع إلى الإمكان بغير تجدُّد سببٍ أصلًا.

وقالوا: إن الأعراض لا تبقى زمانين، وأنكروا القوى والطبائع والغرائز والأسباب والحكم، وجعلوا الأجسام كلها متماثلة، وأثبتوا أحوالًا لا موجودة ولا معدومة، وأثبتوا مصنوعًا بلا صانعٍ، ومخلوقًا بلا خالقٍ، إلى أضعاف ذلك ممَّا يسخر منه العقلاء.

وكلما كان الرجل عن الرَّسول أبعد كان عقله أقلَّ وأفسد. فأكملُ النَّاس عقولًا أتباعُ الرُّسل، وأفسَدُهم عقولًا المعرضُ عنهم وعمَّا جاؤوا به. ولهذا كان أهل السُّنَّة والحديث أعقل الأُمة، وهم في الطوائف كالصَّحابة في النَّاس.

وهذه القاعدة مطَّردة في كل شيءٍ عُصي الربُّ سبحانه به، فإنه يُفسده على صاحبه، فمَن عصاه بماله أفسده عليه، ومن عصاه بجاهه أفسده عليه، ومن عصاه بلسانه أو قلبه أو عضوٍ من أعضائه أفسده عليه، وإن لم يشعر بفساده.

فأي فسادٍ أعظم من فساد قلبٍ خَرِبٍ من محبة الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه والطمأنينة بذكره والأُنس به والفرح بالإقبال عليه؟! وهل هذا القلب إلَّا قلب قد استحكم فساده، والمصاب لا يشعر! وأي فسادٍ أعظم من فساد لسانٍ تعطَّل عن ذكره وما جاء به وتلاوة كلامه