للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيشهدون على ذلك: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي اِلْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي اِلصُّدُورِ} [العاديات: ٩ - ١٠]. وقال المعارضون للوحي: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ اِلسَّعِيرِ} [الملك: ١١].

الوجه السابع والمائة: أن كل عاقلٍ يعلم بالضرورة أن من خاطب الناس في علم من أنواع العلوم من الطب أو الحساب أو النحو أو الهيئة أو غير ذلك بكلامٍ ذكر أنه بيَّن لهم فيه حقيقة ذلك العلم وأوضح مشكلاته وبيَّن غوامضه ولم يُحْوِجهم بعده إلى كتابٍ سواه، ولم يكن في ذلك الكتاب بيان ذلك العلم، ولا معرفة ذلك المطلوب، بل كانت دلالة الكتاب على نقيض ذلك العلم أكمل، وعلى خلافه أدل، أو كان العقل الصريح يدل على خلاف ما دل عليه ذلك الكتاب = كان هذا المصنِّف مفرطًا في الجهل والضلال، أو في المكر والاحتيال (١)، أو في الكذب والمحال.

فكيف بكتابٍ لم ينزل من السماء كتابٌ أهدى منه، خضعت له الرِّقاب، وسجدت له عقول ذوي الألباب، وشهدت العقول والفِطَر بأن مثله ليس من كلام البشر، وأن فضله على كل كلامٍ كفضل المتكلم به على الأنام، وأنه نور البصائر من عماها، وجلاء القلوب من صداها، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها (٢)، فهو حياها الذي به حياها (٣)، ونورها الذي انقشعت به عنها ظَلْماها، وغذاؤها الذي به قوام قوتها، ودواؤها الذي به حِفْظ صحتها. وهو


(١) «ح»: «الأخبال».
(٢) الجوى مقصور: كل داءٍ يأخذ في الباطن لا يُستمرأ معه الطعام، وقيل: هو داءٌ يأخذ في الصدر. «لسان العرب» (١٤/ ١٥٨).
(٣) الحيا الأول بمعنى الغيث، والحيا الثاني بمعنى الخصب.