للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه ولا تصدقه ولا تكذبه ولا تقبله ولا ترده؟ أم تعلق تصديقه والإقرار به على الشرط، وتقول: أنا أعتقد موجبه إن لم يكن في العقل ما يرده؟

فلا بد لك من واحد من هذه الأمور الأربعة، فالأول والثالث والرابع مناقضٌ للإيمان بالرسول مناقضةً صريحةً، [ق ٨٧ أ] والثاني (١) لا سبيل لك إليه؛ لأنك قد جوَّزت أن يكون في صريح العقل ما يناقض ما أخبر به، فكيف تجزم مع ذلك بصحته! فالقسم الإيماني قد سددتَ طريقه على نفسك، والأقسام الثلاثة مستلزمة لعدم الإيمان. وهذا إنما نشأ من تجويز أن يكون في العقل الصريح ما يناقض ما أخبر به. يوضحه:

الوجه العشرون بعد المائة: أن كل من لم يُقرَّ بما جاء به الرسول إلَّا بعد أن يقوم على صحته عنده دليلٌ منفصلٌ من عقلٍ أو كشفٍ أو منامٍ أو إلهامٍ لم يكن مؤمنًا به قطًعا، وكان من جنس الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اُللَّهِ} [الأنعام: ١٢٥] بل قد يكون هؤلاء خيرًا منهم من وجهٍ، فإنهم علقوا الإيمان بأن يُؤتَوا سمعًا مثل ما أوتيه الرُّسل، وهؤلاء علَّقوا الإيمان على قيام دليلٍ عقليٍّ على صحة ما أخبروا به، وإذا كان مَن فعل هذا ليس بمؤمنٍ بالرُّسل، فكيف من عارض ما جاؤوا به بمعقوله ثم قدَّمه عليه؟!

الوجه الحادي والعشرون بعد المائة: أن حال هؤلاء المعارضين بين الوحي والعقل ضدُّ حال أهل الإيمان من كل وجهٍ، فإن الله سبحانه أخبر عن أهل الإيمان بأنهم كلما سمعوا نصوص الوحي زادتهم إيمانًا وفرحًا


(١) «ح»: «الثانية».