للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهلُ الدم الذين (١) يَدَّعونه في العمد والخطأ».

قال ابن عبد البر (٢): «وقد أنكر العلماء على مالك قولَه: إن القسامة لا تجب إلَّا بقول المقتول: دمي عند فلان. أو يأتي بلَوْثٍ يَشهَدون به؛ لأن المقتول بخيبر لم يَدَّعِ على أحدٍ، ولا قال: دمي عند أحدٍ، ولا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: تأتون بلَوْثٍ. قالوا: وقد جعل مالكٌ سُنَّةً ما ليس له مدخل في السُّنة».

وكذلك أنكروا عليه أيضًا في هذا الباب قولَه: «الأمر المُجمَع عليه عندنا أن يبدأ المدَّعون بالأيمان في القسامة». قالوا: فكيف اجتمعت الأئمة في الفقه والحديث، وابن شهاب يروي عن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن رجلٍ من الأنصار «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ اليهود في الأيمان»؟!

قال: وهذا الحديث وإن لم يكن من روايته عن ابن شهاب، فمن روايته عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن عمر بن الخطاب قال للجهني الذي ادَّعى دية وَلِيِّه على رجلٍ من بني سعد بن ليث ـ وكان أجرى فرسه فوَطِئَ على إصبع الجهني فنُزِي (٣) منها الدمُ فمات، فقال عمر للذي ادَّعى عليهم ـ: أتحلفون بالله خمسين يمينًا ما مات منها؟ فأَبَوْا وتَحرَّجوا، وقال للمدَّعين: احلفوا. فأَبَوْا، فقضى [بشَطْر الدية] (٤) على السعديينَ (٥). قالوا: فأيُّ


(١) في النسختين: «الذي». والمثبت من «الموطأ» و «الاستذكار».
(٢) «الاستذكار» (٢٥/ ٣٢٤ - ٣٢٥).
(٣) أي: جرى ولم ينقطع. «النهاية في غريب الحديث» (٥/ ٤٣).
(٤) في النسختين: «بالدية». والمثبت من «الموطأ» وغيره.
(٥) أخرجه مالك في «الموطأ» (طبعة الأعظمي) (٣١٥٠) وعنه الشافعي في «الأم» (٨/ ٦٤٨) وعبد الرزاق في «المصنف» (١٨٢٩٧) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٢٨٢٠٢) وقال الإمام مالك: «ليس العمل على هذا». قال ابن عبد البر: «لأن فيه تبدئة المدَّعى عليه بالدم بالأيمان، وذلك خلاف السُّنَّة التي رواها وذكرها في كتابه «الموطأ» في الحادثين من الأنصار المدَّعين على يهود خيبر قَتْلَ وليِّهم». انتهى. وقال ابن كثير في «مسند الفاروق» (٢/ ٤٤٩): «هذا إسناد صحيح، والأثر غريب جدًّا».